المغرب يخلد الذكرى 73 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال
مدار الساعة - يخلد الشعب المغربي اليوم الذكرى 73 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال (11 يناير 1944)، التي شكلت حدثا تاريخيا متميزا ومنعطفا مفصليا وحاسما في مسيرة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية.
ويحتفي المغاربة بهذا الحدث التاريخي البارز والراسخ في ذاكرتهم وفاء وبرورا برجالات الوطنية والمقاومة والتحرير، وتمجيدا للبطولات العظيمة التي صنعها أبناء هذا الوطن بروح وطنية عالية عكست وعي المغاربة ونضجهم وتلاحمهم صفا واحدا وراء العرش العلوي المجيد ومحطة نضالية متميزة في مسار الكفاح الوطني ضد الاستعمار.
وقد وقف المغرب عبر تاريخه العريق، بعزم وإصرار وتحد، في مواجهة أطماع الطامعين مدافعا عن وجوده ومقوماته وهويته ووحدته، ولم يدخر جهدا في سبيل صيانة وحدته، وتحمل جسيم التضحيات في مواجهة الاستعمار الذي جثم بكل قواه على التراب الوطني منذ بدايات القرن الماضي، فقسم البلاد إلى مناطق نفوذ وزعتها الحماية الفرنسية بوسط المغرب والحماية الإسبانية بالشمال والجنوب، فيما خضعت منطقة طنجة لنظام دولي.
فمنذ توليه عرش أسلافه المنعمين يوم 18 نونبر 1927، جسد الملك المجاهد محمد الخامس، طيب الله ثراه، رمز المقاومة والفداء قناعة شعبه في التحرير وإرادته في الاستقلال، معبرا في خطاباته التاريخية عن مطالب الشعب المغربي في الحرية والاستقلال وتمسك المغرب بمقوماته وثوابته الأصيلة والأثيلة، متحديا كل محاولات طمس الهوية الوطنية والشخصية المغربية.
وتواصلت مسيرة الكفاح الوطني بقيادة جلالة المغفور له محمد الخامس، طيب الله ثراه، الذي اغتنم فرصة انعقاد مؤتمر آنفا التاريخي في شهر يناير 1943 لطرح قضية استقلال المغرب وإنهاء فترة الحماية، مذكرا بالجهود والمساعي الحثيثة التي بذلها المغرب من أجل مساندة الحلفاء في حربهم ضد النازية وفي سبيل تحرير أوروبا، وهذا ما أيده الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلان روزفلت باعتبار أن طموح المغرب لنيل استقلاله واستعادة حريته طموح معقول ومشروع.
في هذا السياق، تكثفت الاتصالات واللقاءات بين القصر الملكي وصفوة طلائع المناضلين والوطنيين الأشاوس، وبرزت في الأفق مبادرة تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال بإيحاء وتناغم من جلالة المغفور له محمد الخامس، ثم شرع الوطنيون في إعداد الوثيقة التاريخية بتنسيق محكم مع جلالته وتوافق على مضمونها. فكان طيب الله مثواه يشير عليهم بما تمليه حنكته السياسية من أفكار وتوجهات كفيلة بإغناء الوثيقة التاريخية والحرص على تمثيله لكافة الفئات والشرائح الاجتماعية ومكونات الخريطة السياسية والجغرافية للمغرب، حيث تم تقديمها بعد صياغتها النهائية إلى الإقامة العامة فيما سلمت نسخ منها إلى المصالح القنصلية للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، كما أرسلت نسخة منها إلى الاتحاد السوفياتي آنذاك.
وقد أثمرت الإرادة الصلبة والإيمان الراسخ لنساء ورجال الحركة الوطنية هذه العريضة التي جاءت جامعة شاملة وتضمنت مطالب الشعب المغربي وأيدتها كل مكوناته وقواه الحية حيث تطورت مطالب الحركة الوطنية من المطالبة بالإصلاحات إلى الجهر بالاستقلال ليجري التفكير في إعداد وتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال التي حظيت بالمساندة المطلقة والدعم اللامشروط من لدن كافة شرائح الشعب المغربي وقواه الحية.
وساهم تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في بلورة طلائع الحركة الوطنية بإيعاز وإيحاء من بطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له الملك محمد الخامس سيظل حدثا تاريخيا راسخا في ذاكرة الأجيال الحاضرة والقادمة باعتباره محطة بارزة في مسيرة الكفاح الوطني الذي خاضه الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي من أجل الحرية والاستقلال والدفاع عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية.
وإن تخليد الذكرى ال73 لتقديم وثيقة الاستقلال التي شكلت منطلقا لاستقلال البلاد وبناء المغرب الحديث ومنعطفا حاسما في مسيرة الكفاح الوطني من أجل حرية المغرب واستقلاله وطموحاته المشروعة وتطلعاته لبناء مستقبل جديد هو مناسبة لاستحضار الخدمات الجليلة والتضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب المغربي في سبيل نصرة القضية الوطنية ومناهضة الاستعمار الأجنبي وتفاني أبنائه في الدفاع عن مقدسات البلاد وثوابتها ورسالة قوية من جيل إلى جيل لتكريس ثقافة الانتماء إلى الوطن والإخلاص إليه وترسيخ قيم الوطنية والمواطنة لدى الناشئة وتعريفها بتاريخ المغرب.
وستبقى هذه الذكرى من أبهى الصفحات وأشرق المحطات في تاريخ المغرب المعاصر الزاخر بالبطولات والتضحيات والكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال.