توحيد الجهود لإنشاء حزب مدني ديمقراطي

مدار الساعة ـ نشر في 2017/01/11 الساعة 01:29

الكاتب.. مروان المعشر

نشهد هذه الأيام جهودا عدة لإنشاء أحزاب تعتمد إطارا عريضا هو الدولة المدنية. وقد شجعها على ذلك اجتماع عوامل عدة، أهمها نجاح قائمة "معا" التي اعتمدت إطارا فكريا مدنيا، ولو جاء هذا النجاح في دائرة معينة. إضافة إلى الانطباع العام الذي خلقه اغتيال الكاتب ناهض حتر؛ بعدم جواز استخدام الدين لحسم الخلافات الفكرية في المجتمع. ثم تتويج هذه العوامل بالورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك، والتي وقفت إلى جانب الدولة المدنية المتصالحة مع الدين، والمعتمدة على سيادة القانون وبناء المؤسسات التي تحمي حقوق الأفراد والمجموعات. 

كل ذلك من العوامل وغيرها، أقنعت العديد بتوافر العوامل الملائمة لإنشاء تيار أو حزب مدني تربطه قواسم مشتركة عديدة؛ كالإيمان بدولة إطارها العريض دساتير وضعية، ومؤسسات تعمل على حماية حقوق الأفراد والمجتمعات وتضمن سيادة القانون على الجميع من دون محاباة لأحد؛ دولة تحمي المعتقدات كافة وتقف منها على المسافة نفسها، وتعمل لإرساء مواطنة متساوية بغض النظر عن الأصل أو الدين أو الجنس.

وتنتهي القواسم المشتركة هنا، لتبدأ تباينات عدة، خاصة بشأن البرامج الاقتصادية والاجتماعية التي تؤدي إلى حل الأزمة الاقتصادية. وليس هذا بغريب، لأن قاعدة الدولة المدنية في الأردن تعتمد على خليط من النقابيين والحزبيين والليبراليين والعلمانيين والمستقلين أيضا. 

تجربة إنشاء الأحزاب في الدول الناشئة ديمقراطيا صعبة عالميا، تجمع بينها قواسم مشتركة، خاصة أن العديد يرغبون في الإدلاء بدلوهم، ويشعرون أنهم مؤهلون لذلك. وتدل التجربة العالمية أن معظم هذه الأحزاب مصيرها الفشل إن لم تجد قواسم مشتركة تسمح بتجميعها في عدد معقول، وإن لم تنجح في تطوير قواعد شعبية عريضة؛ لأن الإيمان بالدولة المدنية مهم لإيجاد إطار عام جامع، لكنه غير كاف لتقديم حلول اقتصادية واجتماعية لمشاكل الناس. 

وثمة عامل مهم جدا أيضا، أنه في بلد فقير مثل الأردن، ليس من السهل ضمان الموارد المالية لأي حزب، خاصة في كنف دولة عميقة لا تريد تطوير حياة سياسية حزبية حقيقية، وتضع العراقيل التشريعية وغيرها أمامها. فإن أضفنا إلى ذلك ضعف وجود ثقافة حزبية راسخة ومستمرة، ومناخ ثقافي يؤطر لثقافة حوار متعمقة، وثقافة تعنى ببناء أحزاب تعتمد الفكر لا الأشخاص، وتقبل بتباينات وأطياف داخل الحزب الواحد، كما هي الحال في الحياة الحزبية عالميا؛ فقد يكون التمني بتوحيد الجهود ساذجا أو صعب المنال. 

مع ذلك، فإننا أمام تحد تاريخي، علينا مسؤولية عدم السماح إزاءه بالفشل بسبب خلافات شخصية، أو لغياب اتفاق تام على المسائل والقضايا كافة. وقد قيل سابقا إنه لو اتفق اثنان على كل شيء، فإن أحدهما "ليست له لازمة". 

إن اتفق القائمون على الجهود الحالية على العمل معا (ولن أسمي أيا منهم، رغم أنني على تواصل مع معظم القائمين عليها)، متجاوزين بعض الخلافات الشخصية أو الفكرية؛ وإن تم تركيز الجهود على بناء فكر مدني ديمقراطي واضح، فقد تنجح الجهود رغم العوائق المالية ومعارضة مؤسسات في السلطة، وقد تتوفر فرصة لبناء قاعدة شعبية وطنية معقولة عن طريق شرح العلاقة بين أسس الدولة المدنية وبين تحسين أحوال الناس الاقتصادية والاجتماعية. أما إذا شعرت كل مجموعة، أو شعر كل شخص، أنها وحدها أو وحده لديه كل الحلول للمشكلات كافة، أو أنها وحدها الممثل الشرعي والوحيد للقواعد الشعبية التي تؤمن بدولة مدنية ديمقراطية، فإنني أخشى أن تتم بعثرة الجهد إلى الحد الذي يؤدي إلى فشل كل منها. 

لا أستطيع التكهن بما ستؤول إليه الأمور. لكنني أزعم أن الفشل في خلق تيار مدني حقيقي سيستخدم من قبل مؤسسات في الدولة والتيار الديني المحافظ معا للقول إن البلاد لا تريد فكرا مدنيا، حتى لو كان متصالحا مع الدين. والأمر بأيديكم.نشهد هذه الأيام جهودا عدة لإنشاء أحزاب تعتمد إطارا عريضا هو الدولة المدنية. وقد شجعها على ذلك اجتماع عوامل عدة، أهمها نجاح قائمة "معا" التي اعتمدت إطارا فكريا مدنيا، ولو جاء هذا النجاح في دائرة معينة. إضافة إلى الانطباع العام الذي خلقه اغتيال الكاتب ناهض حتر؛ بعدم جواز استخدام الدين لحسم الخلافات الفكرية في المجتمع. ثم تتويج هذه العوامل بالورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك، والتي وقفت إلى جانب الدولة المدنية المتصالحة مع الدين، والمعتمدة على سيادة القانون وبناء المؤسسات التي تحمي حقوق الأفراد والمجموعات. 

كل ذلك من العوامل وغيرها، أقنعت العديد بتوافر العوامل الملائمة لإنشاء تيار أو حزب مدني تربطه قواسم مشتركة عديدة؛ كالإيمان بدولة إطارها العريض دساتير وضعية، ومؤسسات تعمل على حماية حقوق الأفراد والمجتمعات وتضمن سيادة القانون على الجميع من دون محاباة لأحد؛ دولة تحمي المعتقدات كافة وتقف منها على المسافة نفسها، وتعمل لإرساء مواطنة متساوية بغض النظر عن الأصل أو الدين أو الجنس.

وتنتهي القواسم المشتركة هنا، لتبدأ تباينات عدة، خاصة بشأن البرامج الاقتصادية والاجتماعية التي تؤدي إلى حل الأزمة الاقتصادية. وليس هذا بغريب، لأن قاعدة الدولة المدنية في الأردن تعتمد على خليط من النقابيين والحزبيين والليبراليين والعلمانيين والمستقلين أيضا. 

تجربة إنشاء الأحزاب في الدول الناشئة ديمقراطيا صعبة عالميا، تجمع بينها قواسم مشتركة، خاصة أن العديد يرغبون في الإدلاء بدلوهم، ويشعرون أنهم مؤهلون لذلك. وتدل التجربة العالمية أن معظم هذه الأحزاب مصيرها الفشل إن لم تجد قواسم مشتركة تسمح بتجميعها في عدد معقول، وإن لم تنجح في تطوير قواعد شعبية عريضة؛ لأن الإيمان بالدولة المدنية مهم لإيجاد إطار عام جامع، لكنه غير كاف لتقديم حلول اقتصادية واجتماعية لمشاكل الناس. 

وثمة عامل مهم جدا أيضا، أنه في بلد فقير مثل الأردن، ليس من السهل ضمان الموارد المالية لأي حزب، خاصة في كنف دولة عميقة لا تريد تطوير حياة سياسية حزبية حقيقية، وتضع العراقيل التشريعية وغيرها أمامها. فإن أضفنا إلى ذلك ضعف وجود ثقافة حزبية راسخة ومستمرة، ومناخ ثقافي يؤطر لثقافة حوار متعمقة، وثقافة تعنى ببناء أحزاب تعتمد الفكر لا الأشخاص، وتقبل بتباينات وأطياف داخل الحزب الواحد، كما هي الحال في الحياة الحزبية عالميا؛ فقد يكون التمني بتوحيد الجهود ساذجا أو صعب المنال. 

مع ذلك، فإننا أمام تحد تاريخي، علينا مسؤولية عدم السماح إزاءه بالفشل بسبب خلافات شخصية، أو لغياب اتفاق تام على المسائل والقضايا كافة. وقد قيل سابقا إنه لو اتفق اثنان على كل شيء، فإن أحدهما "ليست له لازمة". 

إن اتفق القائمون على الجهود الحالية على العمل معا (ولن أسمي أيا منهم، رغم أنني على تواصل مع معظم القائمين عليها)، متجاوزين بعض الخلافات الشخصية أو الفكرية؛ وإن تم تركيز الجهود على بناء فكر مدني ديمقراطي واضح، فقد تنجح الجهود رغم العوائق المالية ومعارضة مؤسسات في السلطة، وقد تتوفر فرصة لبناء قاعدة شعبية وطنية معقولة عن طريق شرح العلاقة بين أسس الدولة المدنية وبين تحسين أحوال الناس الاقتصادية والاجتماعية. أما إذا شعرت كل مجموعة، أو شعر كل شخص، أنها وحدها أو وحده لديه كل الحلول للمشكلات كافة، أو أنها وحدها الممثل الشرعي والوحيد للقواعد الشعبية التي تؤمن بدولة مدنية ديمقراطية، فإنني أخشى أن تتم بعثرة الجهد إلى الحد الذي يؤدي إلى فشل كل منها. 

لا أستطيع التكهن بما ستؤول إليه الأمور. لكنني أزعم أن الفشل في خلق تيار مدني حقيقي سيستخدم من قبل مؤسسات في الدولة والتيار الديني المحافظ معا للقول إن البلاد لا تريد فكرا مدنيا، حتى لو كان متصالحا مع الدين. والأمر بأيديكم.

الغد

مدار الساعة ـ نشر في 2017/01/11 الساعة 01:29