أعوام الرمادة؟!
الكاتب.. محمد أبو رمان
في معرض دفاعه عن الإجراءات التي تنوي الحكومة اتخاذها من أجل ضبط العجز والمديونية، ذكر وزير المالية أنّه لم يتبقَ أي خيار أو حلّ آخر، غير تلك الحزمة المطروحة على النواب؛ من إلغاء الدعم على بعض السلع، وزيادة الرسوم والضرائب.
الشارع، على الجهة المقابلة، يتحدث بغضب عن عدم القدرة على تحمّل نتائج هذه السياسات، ويرى بأنّها تقتصر على الحلول المعروفة التقليدية؛ جيوب المواطنين، من دون التفكير بأساليب جديدة خلاّقة لضبط النفقات أولاً، ولزيادة الإيرادات ثانياً، عبر إيجاد حلول جذرية وحقيقية لمشكلات مزمنة، الكل يعرفها؛ مثل التهرّب الضريبي الذي يقدّر سنوياً بمئات الملايين من الدنانير، من دون أن نجد حلّا حقيقياً إلى الآن!
المشكلة في "العقلية الرسمية" أنّها لا تفكّر إلا في المشكلات المالية، من دون النظر إلى المعضلات الاقتصادية الخطرة، مع تدحرج معدل البطالة نحو الارتفاع والصعود المستمر، وتآكل الدخول مقارنةً بالأسعار، وفقدان شريحة اجتماعية واسعة القدرة على "التكيّف" مع المتطلبات الاقتصادية؛ فذلك يحتاج إلى أن نتجاوز الدوران حول الأرقام في الموازنة، على أهميتها، للتفكير في المشهد العام، وربط الأوضاع الاقتصادية بالاجتماعية والأمنية والسياسية.
أصبح الحديث عن الاختلالات الاقتصادية الكبرى أمراً لا يمكن تجاوزه أو القفز عنه، أو ترحيله؛ فإعادة هيكلة سوق العمل باتت ضرورة وطنية وأولوية حقيقية. وهي أولوية تستدعي بدورها أولويات أخرى، مثل إصلاح قوانين العمل، والحدّ الأدنى للأجور، وتدريب وتأهيل العمالة الوطنية لإحلالها في قطاعات رئيسة محل الوافدة. وربما القطاعان الأوّلان اللذان يمكن بالفعل تحضيرهما لهذه العملية الجراحية الاقتصادية الاجتماعية، هما قطاع الخدمات والسياحة اللذان يمكن أن يوفّرا، بالحدّ الأدنى، عشرات الآلاف من فرص العمل.
لم يعد ممكناً تجاوز معادلة البطالة والعمالة؛ فأن يكون لدينا قرابة مليون عامل وافد، في مختلف المجالات، بينما تصل البطالة في صفوف الشباب إلى نسبة 40 %، في دولة تعاني من معدل مديونية مرتفع وعجز في الموازنة، وتعتمد على القروض الداخلية والخارجية، فتلك "علّة" جوهرية من عللنا الاقتصادية-الاجتماعية والثقافية.
دعونا من معزوفة "ثقافة العيب"؛ فهي حمالة يرمى عليها تقصير الدولة والمسؤولين في القيام بواجباتهم. شبابنا وخرّيجو الجامعات وطلبتها يعملون اليوم في خدمات اصطفاف السيارات والمقاهي والمطاعم والفنادق، حيث نشاهدهم يومياً. وهي ظاهرة إيجابية وجيدة؛ فقط افتحوا الأبواب، واخلقوا البيئة المناسبة، ووفروا القطاع الخاص والأجور العادلة، وبعد ذلك فلنتحدث عمّا تبقى من ثقافة العيب!
ندرج هذ الكلام ونحن أمام هواجس حقيقية وسيناريو مرعب أشار إليه د. وليد عبدالحي، العالم المتخصص بالمستقبليات، بمنشور على صفحته على موقع "فيسبوك"، مؤخراً، عمّا سماه "عام الرمادة" المقبل، من خلال رصد أرقام مقلقة عن تراجع دخل دول الخليج، وانقلاب فائض 600 مليار دولار في العام 2010 إلى عجز 700 مليار دولار العام 2020.
ومن خلال مقارنة أسعار النفط بمعدلي النمو الاقتصادي والديمغرافي، وبمشكلات متنامية ستأخذ مدى أخطر في المرحلة المقبلة، مثل المديونية المتراكمة والفقر المائي والإنفاق العسكري، ومجموعة أخرى من الأرقام والإحصاءات والمتغيرات، يصل وليد عبدالحي إلى نتيجة أنّ سوق العمالة في الخليج ستشهد جفافاً كبيراً خلال الأعوام المقبلة. مع التذكير أنّ لدينا مئات الآلاف من الأردنيين العاملين هناك، فهل سننتظر مثل هذا السيناريو حتى يتحقق؟!
الغد