عن مؤتمر «الخيار الأردني» والعبث الراهن في المنطقة

مدار الساعة ـ نشر في 2017/10/23 الساعة 00:04
من السهل التقليل من شأن المؤتمر الذي عقده الأسبوع الماضي مركز “بيغن” في القدس حول ما يعرف بـ”الخيار الأردني” لحل القضية الفلسطينية، لا سيما أن من زعم الحديث باسم “المعارضة الأردنية”، أو الفلسطينيين من أصل أردني هو شخص بلا قيمة، ولا يمثل سوى نفسه.
لكن الأمر لا ينبغي أن يُؤخذ بهذه السهولة، فالدوائر الإسرائيلية حين تتحدث في هذا الأمر، لا تعالجه بذات الفجاجة التي يتحدث بها مضر زهران، أو بعض وجوه اليمين المتطرف في الكيان الصهيوني، بل يذهبون نحو مسار يصل إلى ذات النتيجة، من دون استخدام ذات الشعارات والعبارات، بل ولا حتى الطروحات.
في شهر نيسان الماضي، خرج وزير التعليم الصهيوني “نفتالي بينيت” بذات الطرح على نحو مختلف، عبر القول إن الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية يمكن أن يعيشوا في ظل حكم ذاتي ضمن نظام كونفدرالي مع الأردن، وهو ما يمنح الكيان فرصة الاحتفاظ بالصلاحيات الأمنية والسيطرة على الحدود المشتركة مع الأردن (يعني كونفدرالية بين دولة وبين سكان وليست بين دولتين!!). ورأى أن سر الإبداع في هذا الحل يكمن في أن الكيان الصهيوني لن يكون ملزما بالانسحاب من سنتمتر واحد من الضفة الغربية، على اعتبار أن السيادة الكاملة عليها ستبقى بيد الاحتلال، فضلا عن إمكانية الاحتفاظ تبعا لذلك بكامل المناطق التي تصنف (ج) وفق تصنيفات اتفاق أوسلو، وتشكل 62 في المئة من الضفة الغربية.
“بينيت” لم يطلق على هذه المؤامرة مسمى “الخيار الأردني”، كما المؤتمر الأخير، بل سمّاها “السلام الاقتصادي”، وهو ذات الاسم الذي استخدمه نتنياهو مرارا، وإن في وصف الحل الانتقالي بعيد المدى الذي تحدثنا عنه مرارا هنا.
المصيبة أن هذا الحل الذي يبدو متطرفا بنظر البعض لا يتبعد كثيرا عما أجمعت عليه القوى السياسية الإسرائيلية ممثلا في “الحل الانتقالي بعيد المدى”. أعني من حيث خطورته على الوضع هنا في الأردن، فضلا عن تهديده بتصفية عملية للقضية الفلسطينية.
فالحل الانتقالي بعيد المدى يعني شطب قضية اللاجئين بشكل كامل، وإن لم يعلن ذلك رسميا، حيث سيقال إنها من قضايا الحل النهائي التي تترك لزمن آخر لا يأتي عمليا، لأن رفض ذلك الحق يحظى بإجماع في الكيان الصهيوني، ولأن مسار التطبيع سيفضي إلى تحويل النزاع برمته إلى نزاع حدودي لا يُحل أبدا.
وللتذكير، فالحل الانتقالي يعني عمليا إبقاء السيطرة الصهيونية على مناطق (ج) التي يلتهمها الجدار الأمني، وحشر الفلسطينيين في مناطق (أ) و(ب) التي لا تشكل عمليا سوى أقل من 40 في المئة من الضفة الغربية، وأقل من 10 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية، وهي مناطق لا تستوعب الديمغرافيا الفلسطينية التي سيرحل بعضها إلى الأردن ما دام الوضع متاحا بالحل الكونفدرالي الذي سيعمل الأمريكان على فرضه لتسهيل الحل، والنتيجة هي تكريس لعبة الوطن البديل من جهة، وتصفية القضية من جهة أخرى.
هذا ما يفكر فيه نتنياهو، وكثيرون في الساحة السياسية الصهيونية، وليس “بينيت” ومن اجتمعوا في القدس في المؤتمر المشار إليه فقط، وإذا لم تتوسع دائرة الوعي، مع إرادة التصدي لهكذا مشروع، فسيصبح خطيرا، والأسوأ أن ذلك قد يحدث تحت راية ما يُسمى “الحل الإقليمي” الذي يتم الترويج له منذ شهور.
في مواجهة هذا المسار، لا حل إلا بمقاومة تجعل الاحتلال مكلفا، مع رفع شعار الانسحاب دون قيد أو شرط من الأراضي المحتلة عام 67، أما مسار العبث الراهن، فضلا عن “الحل الإقليمي”، فهو خطير، مع ثقتنا بأن أي مسعىً لتصفية القضية الفلسطينية لن يمرّ، فكيف إذا كان تصفية للقضية وتهديدا للاردن في آن؟
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/10/23 الساعة 00:04