عن الجـرائم الإلكـتـرونية وقوانينها

مدار الساعة ـ نشر في 2017/10/22 الساعة 00:06
حديث الجرائم الإلكترونية وقوانينها لا يندلع هنا في الأردن فحسب، بل يجد صداه في أكثر من بلد عربي، بل في عدد من الدول الأخرى، بخاصة في العالم الثالث، ويكفي أن يصل إلى سلطة في حالة احتلال كما هو حال السلطة الفلسطينية حتى ندرك أهمية الأمر وحساسيته، والحاجة للتوقف عنده مليا.
مواقع التواصل الاجتماعي ليست شأنا هامشيا في زمننا الراهن، فقد باتت عوالم الناس بكل تفاصيلها شبه محصورة في هواتفهم الذكية التي يحملونها بأيديهم، والتي وسّعت من دائرة المعارف من جهة، ومن دائرة المشاركة في الشأن العام من جهة أخرى.
قبل زمن ليس بعيدا كانت وسائل الإعلام، وأكثرها رسمية، أو شبه رسمية تمثل مصادر الأخبار شبه الوحيدة المتاحة، وحين كان مواطن يريد التعليق على مقال أو خبر، كان عليه أن يرسل للصحيفة ردا، لا ينشر في الغالب، وإذا نشر، ففي زاوية لا يراها سوى القليل من الناس.
كانت الفضائيات لونا من ألوان التمرد على الإعلام الرسمي، لكن زمن مواقع التواصل يبدو أكثر تأثيرا بكثير، حتى إن الفضائيات ذاتها، صارت تعتمد على متابعيها في مواقع التواصل، أكثر من متابعيها مباشرة عبر الشاشة.
هذا الواقع الجديد ممثلا في قدرة الفرد على التأثير لم يكن ليمرّ بسهولة على واقع سياسي عربي احتكر منابر التأثير لزمن طويل، وكان لا بد من أدوات جديدة للتعامل معه؛ إن كان بتدخل مباشر في مواقع التواصل، أم من خلال قوانين تحاصر الحرية التي منحتها للناس.
والحال أن مواقع التواصل، شأنها في ذلك شأن أي أداة إنسانية، يمكن أن تستخدم في الحق والباطل. ونتذكر أن وسائل الإعلام في أزمنة سابقة، وربما إلى الآن، لم تكن تعبر عن موازين القوى الفكرية والسياسية في المجتمعات، بقدر ما كانت تعبر عن سطوة جهات سياسية ومالية.
ليس كل المنطق الذي يستند إليه المنادون بقوانين تمنع التعسف في استخدام مواقع التواصل خاطئا، فهناك بالفعل من يستخدمونها على نحو خاطئ، بل أكثر من ذلك. والبشر هم أنفسهم في كل زمان ومكان، فيهم الطيب والشرير، وفيهم ما بين ذلك ممن يمكن أن يخطئ هنا ويصيب هناك.
على أن السؤال الذي يطرحه الكثيرون، وهو الأهم في السياق، إنما يتعلق بما إذا كان الهدف من القوانين الجديدة هو ترشيد التعامل مع مواقع التواصل، أم محاصرة حرية التعبير، ومعها التأثير السياسي للجماهير.
هنا يقول الرافضون؛ وأنا شخصيا معهم، إن قوانين العقوبات المتوفرة فيها الكثير من المواد التي تعالج الذم والقدح والتحقير، أو تهديد الأمن والسلم الاجتماعي ومصالح الأوطان، وهذه القوانين تكفي لمحاسبة من يتورطون في الاستخدام المتعسف لمواقع التواصل من دون الحاجة إلى قوانين جديدة تبث الخوف في أوصال الناس، وقد تبالغ في التجريم لأسباب أخرى، في ذات الوقت الذي تسمح فيه بمحاصرة حرية التعبير والتأثير.
مرة أخرى، نقول إن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي؛ شأنهم في ذلك شأن الإعلاميين من قبلهم، ليست لهم حصانة، لكن روحية الموقف التي تستحق الدفاع عنها هي حق الناس في حرية التعبير والتأثير، من دون المسّ بحقوق الآخرين، ولا تهديد الأمن والسلم الاجتماعي، مع ضرورة القول إن ما تمنحه مواقع التواصل من فرصٍ للرقابة على أداء المشتغلين في العمل العام هو الجانب الأهم الذي تنبغي المحافظة عليه، لأن عائده سيكون إيجابيا على الأوطان والمواطنين.
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/10/22 الساعة 00:06