أسئلة في حضن التيار الإسلامي
على حلقتين متصلتين في برنامج “ في عين الحدث “ الذي يبث على شاشة قناة الاردن اليوم استضفت فيهما القياديين في جماعة الاخوان وجبهة العمل الاسلامي زكي بني ارشيد والمهندس علي ابو السكر، كان واضحا جدا حجم التغير في الخطاب الاخواني والجبهوي حيال مفاهيم جديدة واصطلاحات حداثية كانت قبل وقت قصير ذكرها كافٍ بإلقاء مطلقها في مهاوي الردى وتعرضه لقصف ثقيل من التهم والاوصاف المشينة، لكنها اليوم مطروحة على السنة التيار بسهولة ويسر ولعل ما كتبه ايضا القيادي في حماس احمد يوسف والذي استند اليه في كثير من الاسئلة يدعم رؤيتي في القاء الاسئلة في الحضن الاسلامي طالما انها مبنية على ما قرأته وسمعته من قيادات الصف الاول في التيار الاسلامي في الاردن وفلسطين.
إن السؤال الذي يدور في العقل، ويأخذ حيزاً من النقاش بين المثقفين من الإسلاميين والمثقفين المؤمنين بالشراكة الوطنية وطمس الاقصائية، هو: لماذا دائماً تأتي الجماعة متأخرة عن اللحظة الوطنية، وبعد أن تصل الأمور إلى خيارات الضرورة والاضطرار؟ ولماذا لا يتم اتخاذ القرارات أو مباشرة التحركات، ومساحات المناورة واسعة وآفاقها مفتوحة ولعلني استحضر هنا لجنة الحوار الوطني ابان الربيع العربي ومقاطعة الجماعة وحزبها لاعمالها.
اسئلة مشروعة تموج بها ساحة العمل السياسي تحديدا من انصار جماعة الاخوان واذرعها السياسية وهي ليست اسئلة اردنية فقط بل مطروحة في معظم الساحات العربية خصوصا بعد استدارة حركة حماس السريعة والصادقة نحو المصالحة الوطنية وتعظيم الوطني على حساب الاخواني، عكس النظرية السابقة والسلوك السابق ايضا، فهل وصل الاسلام السياسي متأخرا الى مفهوم فقه الضرورة والواقع، ام انها حركة انحناء سياسي لمواجهة المسار العالمي المتصاعد ضد تيار الاسلام السياسي وانقلاب الحلفاء الغربيين عليه؟ كما تقول دوائر الامن، الرافضة لاي تطرية مع الجماعة واذرعها في الاقليم عموما.
ربما تبدأ الاجابة كما يقول احمد يوسف من العودة الى الوراء قليلا، منذ ان استوطنت ذهنية حركات الاسلام السياسي الكثير من المفاهيم التي تحتاج إلى إعادة نظر في قراءتها، والتفكير في جدواها، حيث إن الكثير من المصطلحات التي صاحبت ظهور القاعدة وتنظيم الدولة (داعش) تحتاج إلى مراجعات وتصويب؛ لأنها عبأت الشارع الإسلامي - للأسف - بمفردات دينية ثبت خطؤها، وانحراف دلالاتها، وتربى جيل على ثقافة دينية مغلوطة، وكان التوظيف للتاريخ الإسلامي ولبعض الأحاديث (غير الصحيحة) هو ما جرَّ الكثير من علماء السلفية وغيرهم لإسقاط وقائع ما يجرى في سوريا والعراق على تلك الأحاديث، وإشغال الأمة وكأن ما يجري هو الفتح المبين.
وليعذرني الاصدقاء من الجماعة والحزب باستخدام توصيف قاسٍ نسبيا، فإقبالهم يبدو كهرولة اكثر منه انفتاح عقلي وسياسي؛ لأن المراجعة الفقهية متأخرة من وجهة نظري عن المراجعة السياسية، وكان الأولى البدء بها , ثم اعادة ضبط المصطلح الحداثي والاستجابة له داخليا وخارجيا، فلا يعقل ان نستمع الى خطاب حداثي وتنويري من الصف الاول ونستمع الى خطاب ماضوي من الصفوف التي تليه، بل ان احدهم قامر بالقول لي بأنها مناورة تكتيكية للتغلب على الظرف الراهن وعلى الانكسار في مرحلة الربيع العربي.
ودعني اغامر اكثر في القسوة بحكم الصداقة والحرص، لماذا اتيتم على شكل هرولة دون اجادة اللعب كأصحاب الدراية والمطلعين ببواطن الأمور؟ فهل السبب ان شكل تعاطيكم مع أسئلة المستقبل تكشف عدم قدرتكم على قراءة التوقعات والاستشراف؟ باعتبار أن ذلك من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، برغم أن مسألة إمعان النظر وإعمال الفكر هي من أدوات التدبر لفهم مجريات ما هو قادم والتحضير له؟.
أسئلة كثيرة مشروعة في نقاشات النخب الإسلامية، وقد آن الأوان أن تصل لكل المستويات القيادية في أي حركة إسلامية لها تطلعات في مشهد الحكم والسياسة؛ لإن الرؤية الوطنية لمشروع البناء الوطني لا تقوم على قراءة تيار واحد، فهي حالة من الاجماع في سياق تكامل الاجتهادات وتقديرات المواقف، لمشاهدة الضوء ساطعاً في نهاية النفق ونأمل ان تستمروا في نقاشاتكم وان نشاركم بها ونأمل ان ينفتح العقل الجمعي عليكم وعلى مراجاعاتكم دون التشكيك والتأويل فمركب الوطن بحاجة الى جميع الالوان والاطياف.
الدستور