فراسة

مدار الساعة ـ نشر في 2017/10/15 الساعة 00:08
كنت أذهل من حجم الفراسة التي يتمتّع بها أبناء بلدتي من باعة ومعلمين وأصحاب كازيات وباعة متجوّلين يجرون عربات الترمس والحلاوة ذات اللونين التقليديين الزهري والأصفر..
أحمل دلو الرايب وأذهب إلى الملبنة البعيدة، أعطيه الدلو ويناولني بديله المعبأ ثم يسألني “مش انت ابن حسن”؟ ..أقول لهم نعم..ثم أغادر وأنا التفتُ خلفي مندهشاً ،كيف عرف هذا الرجل الغريب البعيد أني “ابن حسن”..هكذا من ملامحي؟! رغم أنها لم تستقر بشكلها النهائي..
في كانون وقت الغروب كنت أدفع عرباية “الدز” ذات العجل المنفوخ ، يعتليها جالونان فارغان يصدران ثرثرة بلاستيكية بفعل الاحتكاك والمشي فوق الحصى والحفر الكثيرة ، أصل “الكازية” أصطف على المضخة الوحيدة المنفردة التي توحي بأنها “زعلانة” من الأخريات أضع “جالوني” الأول على البسطة قرب فرد المضخة..يأتي البائع ، يشير إلي بيده كم؟..أقول له بأصابعي : خمسة!..وعندما يرتطم صوت الكاز بقاع “الجالون”..يخرج الرجل عن صمته ويقول لي بصوت مكبوت من تحت اللثام بسبب البرد..” انت اخو محمد”؟؟..فأهزّ رأسي..وأناوله الخمسة ثمن الجالونين وأنا التفت خلفي كيف عرف الرجل أنني “شقيق محمد” وأنا أضع شماغاً على رأسي وفمي..يا الله ما هذه الفراسة!!…
في الصفوف الابتدائية عندما كنّا..ندخل صفاً جديداً بسنة دراسية جديدة ، احد من المعلّمين لا يسألنا عن أسمائنا الكاملة هم يعرفون آباءنا وإخواننا الكبار وأولاد عمومتنا..فيعرفون فلان “أبو عطيوي”..”أبو نايف” ..”أبو قاسم”..أي أنك من آل أبو قاسم أو أبو عطيوي خالك..او أبو نايف من أبناء عمومتك..ليس المهم ان يعرفك بالاسم المهم انه يعرف “الربع” وهذا يكفي..لكن الذي كان يدهشني أنه عندما يحل الشتاء أبدو أني صرت معروفاً أكثر..يقترب مني مدرس اللغة الانجليزية ويقول لي : ” انت اخو عيادة؟”..أقول له نعم..وأدهش : يا الله كيف عرف هذا المدرسّ الذي ليس من مدينتنا أصلاً أن عيادة أخي..يا لهذه الفراسة العظيمة عند معلّمي مدرستي..طيب لماذا لم يقل لي هذه المعلومة منذ بداية الفصل..كنت أفكّر طويلاً بهذا السؤال ..لكن لا أجد جواباً شافياً..
ذات شتاء قال لي مشرف تربوي حضر حصة الجغرافيا: ان شاء الله تكون شاطر طالع لأخوك محمود!!…يا الهي! هذا أيضاَ استطاع ان يصطاد الشبه ويعرف أن محمود اخي..انا محظوظ لأن كل من حولي هم خبراء بعلم الأنساب..لكن كيف يستطيعون ربط الملامح بين بعضها ليكتشفوا رابط الدم..
سألت أمي ذات مساء..بروح ع الملبنة” بيعرفوا اني ابن حسن”..تبع الكازية..قلي أنت اخو محمد..حتى استاذ الانجليزي اللي من حوارة..سألني:انت اخو عيادة..والمشرف اليوم عرفني..انه محمود اخوي..وإبراهيم قالوا له: انت اخو احمد…هالقد في شبه بيننا…قالت وهي تقطع الخيط بأسنانها: الشبه مش كثير..سألتها طيب كيف عرفونا؟…
قالت: ع البلوزة يُمّه!
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/10/15 الساعة 00:08