ثقافة الجيب في مواجهة ثقافة العيب
مدار الساعة ـ نشر في 2017/10/15 الساعة 00:05
لقيت في المقال السابق بعض الإضاءات، على ما تقوم به مؤسسة التدريب المهني، من خلال الحوار الذي أجراه وفد جماعة عمان لحوارات المستقبل، الذي زار المؤسسة حيث أشرت في نهايته إلى أن المؤسسة تتصدر لخطر حقيقي، يهدد وطننا، بخاصة في مجال المفاهيم وهو ما سأتناوله في مقال اليوم.
قبل الحديث عن دور مؤسسة التدريب المهني، في مجال تغيير المفاهيم، أحب أشير إلى بعض جوانب الخطر الذي تتصدى له هذه المؤسسة والذي يتمثل في سقوط بعض القطاعات الاستراتيجية في بلدنا، بأيدي العمالة الوافدة، التي سيطرت على مهن قد تبدو في ظاهرها بسيطة، لكنها في حقيقتها وجوهرها في غاية الخطورة، بخاصة وأن هناك الكثير من المؤشرات التي تؤكد أن الكثير من مكونات العمالة الوافدة، تؤطرها تشكيلات عصابية، وتتحكم بها من وراء ستار جهات لها سطوة على هذه العمالة، مما قد يجعلها في لحظة من اللحظات مصدر خطر، خصوصاً في المجالات التي تسيطر عليها هذه العمالة، ومنها قطاع المخابز على سبيل المثال، وقبله قطاع الزراعة، ومثله قطاع الإنشاءات، ولا نريد أن نذكر بقطاع عاملات البيوت، وحراس البيانات، وغير ذلك من القطاعات التي تشكل بمجملها تفاصيل حياتنا اليومية، التي أسقطناها من حيث ندري أولا ندري في أيدي الوافدين الذين لا نعلم من يحركهم, وكيف يتحركون, ويزيد من خطورة الأمر، أن هناك أكثر من سبعمائة ألف عامل وافد، يعيشون بين ظهرانينا، ويتنقلون بين بيوتنا، دون أن يكون لهم وضع قانوني سليم، لا من حيث تصاريح العمل، ولا من حيث الإقامة، ولا من حيث الصحيفة الجنائية، بكل ما يعني ذلك من خطر على السلامة العامة، آن آوان الانتباه له، وهنا تكمن أهمية ما تقوم به مؤسسة التدريب المهني، فكيف ذلك؟
الإجابة على السؤال أعلاه, تتمثل في أن المهمة الأساسية للمؤسسة,هي رفد سوق العمل الأردني بالأيدي العاملة المدربة والمؤهلة, وفي سبيل ذلك تنتشر معاهد التدريب المهني على امتداد أرض الوطن, وتكثر من عقد دورات التدريب المهني المتطورة, بدون مقابل يذكر, ففي الوقت الذي تبلغ فيه كلفة تدريب الشخص الواحد حوالي ألف ومائتي ديناراً, فإن الرسم الذي تتقاضاه المؤسسة من المتدرب يتراوح بين 20إلى 35 ديناراً, مع إمكانية إعفاء المعسر, وهذا المبلغ لا يساوي شيئاً مما تتحمله المؤسسة من تكاليف, تقتضي الأمانة هنا إنصاف القطاع الخاص المتعاون معها, وهو التعاون الذي يخفف الكثير من أعباء كلف التدريب, الذي نأمل أن يسد حاجة السوق الأردني من الفنيين والعمال المهرة المدربين, في كل القطاعات في ظل سياسية إحلال العمالة الأردنية محل العمالة الوافدة في سوق العمل الأردني, الذي يوفر أكثر من مليون فرصة عمل للوافدين,مما يجعل شكوى الكثير من الأردنيين من البطالة في غير محلها, ومما يجعلنا نقول أن القضية ليست عدم توفر فرص عمل, لكنها قضية أخرى, فهل هي قضية ما يسمى بثقافة العيب؟
ينفي الإخوة في إدارة المؤسسة وجود ثقافة عيب, كما ينفون من خلال تجربتهم العملية أن الأردني يأنف من العمل اليدوي, بدليل الاقبال الشديد على دورات المؤسسة في مجالات التدريب على العمل اليدوي, حتى اضطرت المؤسسة في العام الماضي إلى مضاعفة عدد المقبولين في دوراتها التدريبية, ففي الوقت الذي خططت فيه المؤسسة لاستيعاب عشرة الآف متدرب, فقد اضطرت في العام الماضي وتحت شدة الإقبال على دوراتها إلى قبول عشرين ألف متدرب, وهذا مؤشر على أن الأردنيين لا يأنفون من العمل اليدوي, وليس لديهم ثقافة عيب, بدليل نوعية الملتحقين بدورات المؤسسة فمن بينهم حملة درجات البكالوريس والماجستير والدكتوراه, ممن لم يجدوا غضاضة بالالتحاق بهذه الدورات ليلتحقوا بعد ذلك بسوق العمل, خاصة في ظل ارتفاع مداخيل الفنيين والعمال المدربين, التي صارت تزيد في كثير من الأحيان عن دخول الأطباء والمهندسين والمحامين, وهي حقيقة صار يلمسها كل أردني يتعامل مع قطاع المهن والصيانة,مما يؤكد أن ثقافة الجيب هزمت ثقافة العيب في مجتمعنا.
عند مقولة ثقافة الجيب هزمت ثقافة العيب في بلدنا, توقف الإخوة في إدارة مؤسسة التدريب المهني, ليبينوا أن جزءاً كبيراً من أسباب إحجام بعض الأردنيين عن الانخراط في سوق العمل, يتعلق ببنية العمل, وبالدخل المتدني الذي يعرضه أرباب العمل, من جهة وبعدم توفر الخدمات المساندة كالمواصلات أو التأمينات, وهي قضايا لا يعاني منها الفنيون والعمال المهرة الذين أهلهم تدريبهم لامتلاك مشاريعهم الخاصة في مجال الصيانة والخدمات, بينما سيساعد تنظيم سوق العمل على إزالة هذه المعيقات من أمام الجميع, وهو ما تعمل في سبيله مؤسسة التدريب المهني.
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/10/15 الساعة 00:05