قبلة سينمائية!

مدار الساعة ـ نشر في 2017/10/13 الساعة 00:07
يحلو لي بين حين وآخر أن اقلب صفحات قديمة كانت علامات فارقة مما كتبت، على مدى ثلاثة عقود خلت، ومن تلك القضايا التي أثرتها، ولم تزل «طازجة» لم تتعرض لأي تغيير، تلك الحصانة التي يمنحها المجتمع للذكر، فيبيح له ارتكاب ما يحلو له من تجاوزات، باعتباره ذكرا، فيما يحرم الأنثى منها، عقابا لها على أنوثتها!
أذكر في أحد الحوارات الصحفية مع ممثل مشهور على قناة فضائية، أنه رفض بشكل قاطع عمل ابنته في الفن، معللا ذلك برفضه تعرضها لـ «قبلة سينمائية» من فنان، مع أن هذه القبلة كما قال، لا تختلف كثيرا عن أي «فعل» سينمائي، كالضرب والشقلبة وسواهما من «الأكشن»، من حيث خلوها من الحرارة والعاطفة الحقيقية، أما السبب الداخلي للرفض فهو: لأنه «فلاح!» ولا يرضى لابنته أن يقبلها رجل، كما قال، فيما وافق أن يعمل ابنه في الفن (وهذا ما حصل فعلا، ورأينا ابنه يقبل الممثلات، ويمثل معهن دور الزوج والعشيق!).
هذا «الفنان» اختصر مشكلة الرجل الشرقي كلها، في موقفه من ابنته، فالرجل الشرقي يبيح لنفسه ولأبناء جنسه من الذكور ارتكاب كل ما يخطر وما لا يخطر بالبال، ويعتبر أن «الذكورة» تمنحه «حق» اقتراف «معاص» استثنائية، لا يمكن التسامح معها فيما لو كان مرتكب الفعل أنثى، ولعل رسولنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، قد حرك هذا المكمن في نفس الأعرابي الذي دخل عليه قائلا: أتأذن لي يا محمد بالزنى! فاستغرب الحضور هذا الطلب وأثار استياءهم، أما رسول الله فأشار للأعرابي قائلا: أدنُ مني! فلما دنا قال له: أترضاها لأمك؟ قال الأعرابي: لا! فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أترضاها لأختك؟ قال: لا! وبهذا نزع الرسول صلى الله عليه وسلم الرغبة بالزنى من نفس الرجل، الذي يقول أنه جاء النبي وهو اشد رغبة بهذا الفعل من أي شيء، وغادره وهو أشد بغضا وكرها له!
النفس السوية لا تبيح لذاتها ما تحظره على الغير، ذكرا كان أم أنثى، وذلك الممثل في رأيه السابق يمثل الرجل الشرقي بكل تفصيلاته، هذا الرجل القابع في نفس كل واحد فينا، يسيره ويضبط إيقاع حياته بمقادير مختلفة، تختلف من شخص لآخر، ولا يكاد ينجو من هذا «المرض» الشرقي أحد!
التمييز ضد النساء، شعار يثير حفيظة كثير من الذكور، وربما بعض النساء، ولعل من غرائب الأمور أن بعض الناشطين الإسلاميين يصابون بالضيق حين يتحدث أحد عن موقف الإسلام من «قضية» المرأة، على اعتبار أن المرأة ليس لها «قضية» في الإسلام، وهذه حقيقة، لكن الحقيقة الأكبر أن لها قضية كبرى مع الإسلاميين أنفسهم، الذين يلتبس الأمر عند بعضهم، فيعتقد أن رأيه هو في «قضية» المرأة هو رأي الإسلام نفسه، وهنا إشكالية كبرى، فلا بد من فك الارتباط بين «النص» و «فقه» النص، فالنص الإسلامي الثابت مقدس أما فقهه فلا، يـُقبل أو يُرفض تبعا لمدى استكناهه واستبطانه للنص، ومن المفارقة هنا، أن نستذكر اعتراض احد الرموز الإسلامية على ترشيح المرأة لمجلس النواب، فيما هو نفسه مرشح للبرلمان الذي يعتبر العمل فيه «ضربا من العبث» بسبب عدم اقتناعه بجدوى الانغماس في العمل مع أنظمة لا تحكم بالإسلام!!
التمييز ضد النساء، صفحة في ملفنا الاجتماعي الملتهب الموضوع على الرف، ولا يمكن لنا أن نحقق أي تطور حقيقي ما لم نفتحه على مصراعيه، وننبشه صفحة تلو أخرى، في مكاشفة ومعالجة علنية وشفافة!
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/10/13 الساعة 00:07