دروس أمي و7 قروش
دأول درس تعلمته من أمي في الاقتصاد بعد أن استثمر عيديتي معها هو أن لا أستدين، وأني إذا فعلت ذلك أن يكون للاستثمار لا للإنفاق، حتى أستطيع سداد الدين من الأرباح، وإلا فستكون ساعة بسط استهلاكية، يقابلها أيام حرمان عسيرة، ولا أعتقد أن حكوماتنا الرشيدة غافلة عن هذه القاعدة الاقتصادية البسيطة، وإن كانت فأنا أرشح أمي بكل جدية لحقيبة المالية.
عزيزي القارئ عند الكلام عن الاقتصاد لابد من الأرقام، فتحامل على نفسك فهذه قروشنا وقوت العيال وأمهم، نسبة البطالة في الأردن 14,8% عامة، وفي فئة الشباب تحت 29 سنة هي 34,8% وفي المناسبة فالمتوسط العمري لمجتمعنا هو 22 سنة، أما النمو لإجمالي الناتج المحلي لسنة 2016 هو 2,4% ولتقريب فداحة مصيبة هذا الرقم الأخير، فدعني أقول لك أننا نحتاج نسبة نمو تساوي 6% على الأقول سنويا لنحافظ على تناسب معقول لنسب البطالة، وأن أعلى نمو حقق منذ 5 سنوات هو 3,1 % لعام 2014، أما نسبة الدين العام من مجمل الدخل المحلي التي تساوي تقريبًا 96% معناها مجازًا أن من كل 100 دينار نمتلكه لابد أن نسدد 96 دينار ليتبقى لنا 6 دنانير لا غير فقط. ومن وجهة نظر قانونية فالحد الأعلى للنسبة السابقة هو 70 %، والطامة الكبرى هي أن ما نستدينه لا يذهب في الغالب للاستثمار بل فقط لسد العجز في النفقات ولهذا فإن المديونية في ازدياد وطريقة معالجتها وكبح جماح أرقامها من وجهة نظر حكومية تكون في الضرائب التي تشكل 84% من الواردات الحكومية، وفي رفع الدعم أيضًا، وهذا طبيعي لانعدام الأرباح الكفيلة بواجب السداد، لانعدام الاستثمار الجالب لهذي الأرباح. ولسنا هنا بصدد نقد الانبطاح التام أمام سياسات صندوق النقد والبنك الدولي، صاحبا السلطة المالية علينا المشابهة لسلطة أمي على عديتي في العشر سنوات الأولى من عمري، ولا في صدد الحديث عن نماذج اقتصادية من الممكن التحول إليها لننقذ نفسنا وقروشنا مثل النموذج الكينزي ( الذي يوجب التدخل الحكومي في الأسعار ودعم المواطن وفرض ضريبة جزئية لا مقطوعة ) والابتعاد عن نموذج فريدمان المدعوم من البنك الدولي ( الذي يفرغ الحكومة من كل مهامها عدا التعليم والخارجية والدفاع وحفظ الأمن، في سبيل خصخصة كاملة ورأسمالية نقية وسوق حرة بالكامل)، ولسنا في صدد التنبيه للضغوط السياسية من خلف البنك الدولي التي قد تعيد عام 1989 وما تلاها من توقيع وادي عربة إلى أذهان الأردنيين. ولن أرفع ضغطكم وأفقع مرارتي خوفًا مما سيحدث لي ولكم بعد إغلاق باب الإعفاءات الطبية ورحمة بمستشفيات وزارة الصحة المتخمة وأطبائها المتعبين أبدًا، لكل ما سبق لن أفتح ملف تقارير ديوان المحاسبة وأمسك آلتي الحاسبة لأحسب لكم كم مليون من 460 مليون التي يريدها وزير المالية على عجل قد نحصل من محاسبة الفاسدين، أو متابعة ملف الفوسفات والسرقات ، وغيرها من جرعات الهم والألم الأردينة المسائية، ولن نحسب أنا وأنتم رواتب وتقاعدات المعالي والسعادة والعطوفة والدولة، مع أن دولة الرئيس حسب لنا كم تكبدت خزينة الدولة وهي تعفي الأردنيين من تكاليف العلاج. لكنني على استحياء قد أِشير إلى ميزان صادرات السلع المنخفض 5,6% ، أو إلى نسبة مشاركة السياحة في مجمل ناتجنا المحلي وإلى هجرة الاستثمارات، وإلى 42% من قوى العاملة التي توصف بموظف حكومي ( مع أن المتوسط العالمي هو 15% فقط)، كانت نتيجة السياسة الأبوية لحكومات سابقة كثيرة، حرمتنا وهم من روح التنافسية والإنتاجية وحولت حلم الاستقرار إلى وظيفة حكومية، وإن اتسع صدر الحكومة لي وسألتها هل هي حكومة تسير أعمال تبحث عن حلول مؤقتة لسد دفعات قروض مستحقة أم أنهم يبحثون عن حلول حقيقة مجدية طويلة الأمد لهذه المشاكل كلها؟ وهل وزارة خارجيتنا تقوم بدورها الدبلوماسي في تحصيل الدعم العالمي الذي وعدنا به نتيجة تحملنا لأعباء اللجوء؟ في النهاية أنا أعلم أنني والأردنيون سنقدم عيوننا وأرواحنا وما في جيوبنا لوطننا لو اقتضت الضرورة، لكن سنفعل هذا بطيب خاطر وسكوت العروس البكر، لما تلاحقوا الفاسدين، وتلغوا بنود السيارات والمكاتب و البدلات والسفريات من خانات الموازنات لما تقدموا حلولًأ حقيقية لا فزعات اقتصادية تغزون بها جيوب الناس وموائد أطفالهم . إذا فعلتم ذلك فلكم عيديتي كل عيدتي عن طيب خاطر.