ابو عودة واستحالة اقتلاع الفكرة

مدار الساعة ـ نشر في 2017/10/12 الساعة 00:08
قليل من السياسيين الاردنيين يمتلكون سيرة ذاتية وحضورا طاغيا في المشهد السياسي الاردني كالذي يمتلكه عدنان ابو عودة , ليس بحكم مشاركته وشراكته الطويلة في اروقة الدولة ودهاليزها ومناصبها فقط بل بحكم احتفاظه بذائقته الخاصة كمفكر اشكالي في بلاط السلطة كان يقول رأيه جهارا نهارا , والاهم احتفاظه بسلوكه النزيه على المستوى المالي , فالرجل على قطيعة مع الفساد والافساد رغم مناصبه المتنوعة والمتعددة ومحافظته على امتطاء ظهر المنصب الرسمي لاكثر من ثلاثة عقود , ختمها بالاقتلاع السياسي من المنصب كما يقول هو .
اول من أمس كان مركز الحسين الثقافي يضيق على حضور كريم جاء للاستمتاع والاستماع بنشر كتاب الرجل الثالث الذي حمل عنوان “ يوميات عدنان ابو عودة من العام 1970 – 1987 “ والكتاب ليس يوميات سياسي عاش في مطبخ القرار , بل هي ارشيف وطني لأكثر حقبة معقدة في تاريخ المملكة , واعتقد ان ابا السعيد اختار تعبير اليوميات بدل المذكرات لسببين , اولهما حتى يكون اقرب الى الحيادية في مضمون النص الذي لم يكتب اصلا لغايات النشر كما قال , وثانيهما انه يرفض فكرة الاقتلاع كتركيبة شخصية ما زالت قادرة على التاثير في الحياة , فالمذكرات تعني إركان البندقية او القلم والاستمتاع بما تبقى من ايام الحياة او انتظار نهاية الحياة البيولوجية بوصف تفكيك العبارة يعني “ مت قاعد “ , وهذه ليست في قاموس مفكر سياسي ومحلل استراتيجي بوزن عدنان ابو عودة .
صحيح ان يوميات الرجل كانت محفوظة لاسباب ذاتية باح بها الرجل امام الحضور وامام كاتب المقال ذات سهرة انتهت باهداء رقيق منه لليوميات , لكنها كانت تأريخا لمنطقة زمنية مليئة بالاحداث الجسام والتفاصيل الخطيرة والية تفاعل الدولة ورجالاتها معها , ومدى الحضور السياسي لرجالات طبقة الحكم في حينها , فهي تكشف ايضا عن نزاهة اخلاقية يتمتع بها العم ابو السعيد , فليس سهلا ان تردد التوصيفات التي احتملها الرجل عن طيب خاطر لاجل الدولة ونظامها , مجددا , فهو الخائن والجاسوس في نظر المكون الفلسطيني وهو الدخيل على الملعب بالنسبة للمكون الاردني كما اشار الصديق محمد ابو رمان في مداخلته على الكتاب , وكانت اوراق يومياته هي مرافعته الوحيدة التي يتركها لابنائه اذا ما طالته يد الغدر كما طالت رفيق دربه الشهيد وصفي التل .
يوميات عدنان ابو عودة نشرها كما هي دون مساس ودون تضليل الوعي بأثر رجعي , وهذا ما اقصد به بكلمة الحيادية السابقة , فهو ليس حياديا على الاطلاق بل مشتبك ناري مع الاحداث وثوري في مضمون ارائه وتقدمي في علاقته مع السلطة , ولم يقبل ان يؤجر عقله او قلبه رغم الجروح الكثيرة في اعماقه , فهو ابن تجربة عميقة لنكبة هي الاعمق في التاريخ ونازح داخل وطنه الذي ضاق بعقله ومنهجه ولا ترى اية بادرة ندم على كلمة او موقف حمله الرجل او قاله , وهذا ما تسبب وسبب له الاقتلاع السياسي وانتج كمية التهم المعلبة والطازجة التي القيت وتُلقى عليه بما يفيض عن احتمال قبيلة وليس فرد واحد .
يوميات ابو السعيد فيها الكثير لمن اراد البحث وسنكتب عنها الكثير لكنها خطوة سريعة وربما متسرعة بحكم العاطفة , لاثبات نظرية ان الفكرة عصية على الاقتلاع وربما مستحيل اقتلاعها كما اثبت عدنان ابو عودة في يومياته وفي سلوكه السياسي .وعدنان رجل على هيئة افكار متسقة ومنسجمة محاطة بجرأة الثوري ورصانة الاكاديمي واشتباك السياسي اليومي مع التفاصيل وهذا مثلث منهجي لا يمكن اقتلاعه .
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/10/12 الساعة 00:08