مم يخشى حزب الله؟
من يتتبع التصريحات الصادرة عن قادة حزب الله، وبشكل خاص أمينه العام السيد حسن نصرالله، يلحظ أنها تنطوي على “نبرة” تصعيدية غير مسبوقة، بالأخص حيال إسرائيل والسعودية والولايات المتحدة، تستبطن تحذيرات شديدة اللهجة، لمن سيتساوق مع مرامي ما يعتقده الحزب، استهدافاً مباشراً له وللمحور الذي ينضوي فيه، من قبل هذه الأطراف، مع أن “لغة” الحزب وخطابه، ما زالا يحافظان على “هدوء نسبي” حيال الأطراف اللبنانية المحسوبة تقليدياً على خط واشنطن – الرياض.
البعض فسّر الموجة التصعيدية الأخيرة للحزب تأسيساً على نظرية “فائض القوة” التي يستشعرها قادته، بعد الاختراقات الكبرى التي حققها وحلفاؤه في “محور المقاومة والممانعة” انطلاقاً من سوريا ... لكن البعض الآخر، ومن ضمنهم، كاتب هذه السطور، يرى أن موجة التصعيد الأخيرة أنما تنبع من “القلق” المترتب على ما تخفيه الأيام القادمة، من تحديات ومخاطر، تنتظر الحزب و”محوره”، وترمي لتحقيق هدفين متلازمين: شد عصب الأنصار والمحازبين من جهة، و”ردع” الخصوم والأعداء، الظاهر منهم والكامن من جهة ثانية.
واشنطن، وبتحريض لا ينقطع من إسرائيل، تسعى في إتمام “شيطنة” الحزب، وتصويره على أنه مصدر الشرور في الإقليم، وذراع إيران الضاربة، وتلاحقه بالعقوبات التي يجري إنضاجها على نار ساخنة في الكونغرس ... جنباً إلى جنب، مع استعدادات إسرائيلية ليوم المواجهة الكبرى المنتظر مع الحزب، وهو يوم تجمع كافة المصادر الإسرائيلية، على أنه آتٍ لا ريب، وإن كانت تختلف فيما بينها، على تحديد موعده أو تقدير مديات الحرب القادمة.
الحزب الذي اشتكى زمن عدوان تموز 2016 من تواطؤ عربي مع مرامي العدوان، ومن خذلان “بعض الداخل”، يستشعر اليوم، خطرأ أشد، فثمة مياه كثيرة قد جرت في أنهار المنطقة منذ ذلك الحين، وحرب المحاور لم تبلغ من قَبل، الذروة التي بلغتها في الآونة الأخيرة، بعض دول الخليج، وفي مقدمتها كل من السعودية والإمارات، تدرجان الحزب في عداد المنظمات الإرهابية، ولا تتورعان عن وصفه بـ “حزب الشيطان”، وتعتقد مصادر الحزب، أن بعض عواصم “محور الاعتدال العربي”، لن تتورع في أي حرب إسرائيلية قادمة على لبنان، عن تقديم الغطاء السياسي لهذه الحرب، ومن دون أن تستشعر حرجاً كما حصل من قبل.
ويراقب الحزب بمزيد من الحذر المشوب بـ”التوتر”، التوجه السعودي الجديد حيال لبنان، الذي يضع حلفاء الرياض بين خيارين: إما معنا وإما ضدنا، وفي هذا السياق، يرى الحزب بكثير من الريبة، إلى حراك المواقف وموسم الزيارات للرياض، الذي سيشمل مختلف أركان تحالف 14 آذار، الذي طويت صفحته لبعض الوقت، ويبدو أن ثمة توجه سعودي لإعادة فتحها وتحريكها من جديد.
وفي إطار “الصورة الأكبر”، يرقب الحزب باهتمام بالغ، موجة التصعيد الأمريكية غير المسبوقة ضد إيران، واستهداف واشنطن لبرنامجيها النووي والصاروخي، وسعيها لإدراج حرسها الثوري في اللوائح السوداء للمنظمات والكيانات الإرهابية، كما يرصد الحزب المحاولات الأمريكية في سوريا لعرقلة تقدم قوات الجيش السوري والقوى “الحليفة والرديفة” في البادية الشرقية، وهي المحاولات التي كشفت عنها بالتفصيل وزارة الدفاع الروسية، مدعمة بالتقارير الميدانية وصور الأقمار الاصطناعية، كما يتتبع “انتعاش” الدور التركي في الشمال الغربي، انطلاقاً من إدلب، ومنطقة خفض التصعيد هناك، حيث سجلت الأيام القليلة الفائتة، بدء ثاني اختراق عسكري تركي واسع النطاق، لمساحات واسعة من شمالي سوريا، بعد الاختراق الأول الذي حمل اسم “درع الفرات”، انطلاقاً من طرابلس وحتى الباب.
ويربط الحزب بين ما يتعرض له وحلفاؤها في سوريا ولبنان من جهة، واستتفتاء كردستان العراق من جهة ثانية، إذ يرى في الاستفتاء، محاولة أمريكية – إسرائيلية – خليجية، لتطويق إيران في العراق وإرباك حلفائها حتى قبل أن يفرغوا من تنظيف العراق من “داعش”، وخلق رأس جسر، أو “إسرائيل ثانية”، تستهدف إيران في عمقها، من البوابة الكردية، كما يتتبع الحزب بأعلى درجات الاستنفار، حالات التفلت التي تسجلها قيادات شيعية عراقية، تريد أن تنأى بنفسها عن إيران والتقرب من السعودية والخليج، وفي هذا السياق يشار بالدرجة الأولى إلى مقتدى الصدر وبدرجة أقل عمار الحكيم، ولا ينجو رئيس الحكومة الدكتور حيدر العبادي من سهام النقد، بسبب تساوقه النسبي مع واشنطن، وميله للمهادنة معها وجنوحها لتفادي الانخراط حتى النهاية في “محور المقاومة والممانعة”.
القناعة العامة التي تهيمن على الحزب وحلفائه، هي أن واشنطن وحلفاءها يتبادلون الأدوار، ويلجأون إلى أدوات مختلفة، ويسلكون طرقاً متعددة، بيد أن هدفاً واحداً يجمعهم: منع الحزب وحلفائه من تحويل انتصاراتهم الميدانية إلى مكاسب سياسية، وهذا أضعف الإيمان، أما “أقوى الإيمان”، فليس أقل من شن هجوم مضاد بهدف تجريد إيران من أنيابها ومخالبها النووية والصاروخية، ومصادرة دورها ونفوذها الإقليميين، فإن تعذر شن مواجهة شاملة مباشرة ضدها، فلا أقل من تصعيد “حروب الوكالة” التي اشتعلت بها عدة ساحات عربية، وربما بدءاً من لبنان في المرة القادمة.
الدستور