استسهال الاعتداء على المال العام وتسهيلاته
مدار الساعة ـ نشر في 2017/10/08 الساعة 00:09
ثمة إصرار داخل خلايا العمل العام على اضعاف قيمة المحاسبة والمساءلة وانتهاكها عبر بوابة الشخصنة والانتقائية، ففي الوقت الذي تمسك فيه هذه الخلايا على اسماء الفاسدين والمجرمين مكتفية بترميزات وحروف وغالبا باخفاء الاسم، تنفتح شهية هذه الخلية لكشف الاسماء الرباعية وحتى مقاس الخصر لآخرين، بحيث بات مردود النشر عكسيا، فهو يرفع منسوب التعاطف مع صاحب الاسم المعلن كما اسماء الفائزين بجوائز السحوبات، بوصفه ضحية الانتقائية والشخصنة فيصبح اقرب الى البطولة منه الى الادانة ورغم عقم هذا السلوك الا ان تلك الخلايا ما زالت ممسكة على نفس الاسلوب حتى باتت مفرخة لانتاج الضحايا.
هذه الاخطاء سرعان ما تتلقفها كتائب الاعدام على مواقع التواصل الاجتماعي وكتائب التدخل السريع المجوقل، فتبدأ بمقارنات فيها الكثير من الظلم على اشخاص لم يثبت بحقهم فساد او تهرب او اختلال، ولكنهم مدانون بقرار شعبي، فتنتهك اعراضهم وتؤكل لحومهم نيئة، والاخطر تبدأ موجة الدفاع عن صاحب الاسم المعلن، وتبدا المقارنات بينه وبين آخرين ثبت فعلا فسادهم الاداري والمالي والسياسي ولكن جرى التحفظ على اسمائهم فيبدا المزاج العام بالانقلاب نحو التعاطف مع الفاسد والمتهرب نكاية في خلايا العمل العام وليس انحيازا الى المتهم او الملاحق قانونا، ومع ذلك يجري استنساخ الخطأ تلو الخطأ.
محاربة الفساد يجب ان تكون خالية من الفساد وشبهاته، واعلان اسم واخفاء آخر هو فساد واضح، لان ابسط ادوات محاربة الفساد هو العدل المطلوب حتى في الظلم، وخطوة كشف اسم وجلده واخفاء اسم ورفعه، تكشف عن عوار في العقل العام بحيث تصبح المحاسبة والمساءلة جزء من تصفية الحسابات لخلاف في الرأي او مخالفة في المنهج او ارتفاع سقف النقد، ويسجل التاريخ لمرحلة الربيع العربي وميادينه، صرف صكوك براءة وغفران لكثير من الفاسدين لمجرد وقوفهم في مظاهرة او جلوسهم في ميدان اعتصام، بل انها استقبلت فاسدين ورجعيين ورجالات انظمة قمعية واعادت تدويرهم وغسلهم بشكل يدعو للاسئلة القاتلة.
دون شك نعيش اليوم حالة من الاستسهال المقيت والجرأة الفاجرة،على املاك الدولة وعلى المال العام، بحيث بات الاعتداء على القانون او الحقوق الوطنية اسهل من نفس الارجيلة، ونسمع كل يوم عن قضايا اعتداء على الطاقة والمياه وعن تهرب ضريبي وعن انكار لاموال المؤسسات الرسمية بما يغطي عجز موازنتين او ثلاثة، وتحديدا من رجالات العمل العام بفرعيها المعارض والمؤيد حتى وصل الامر الى صغار الموظفين الذين باتوا لا يتحركون الا بتثاقل او بنفحة من نفحات الدعم السلبية سواء بهاتف من واسطة او بغيره من النفحات، وكل ذلك راجع الى غياب المساءلة والمحاسبة والمعاقبة والى شخصنتها وانحراف اهدافها عن الجريمة نفسها حال حدوث الجريمة.
دائما يجب محاسبة الخارجين عن القانون والمتهربين والفاسدين بصرف النظر عن مواقعهم ومواقفهم السياسية، واليوم نحن بحاجة اكثر الى عصا القانون الغليظة كي تطال بضرباتها كل من اعتدى على حق الوطن والمواطن سواء بقرار اداري فاسد او بسرقة ماله العام او بالتهرب من دفع الضرائب والرسوم والضرب بيد من حديد على من يقوم بتسهيل هذه الخروقات الفاضحة، فالمواطن بات يائسا من رؤية محاسبة شاملة لكل من عبث بمقدراته، وهذا اسهم في عزوف المواطن عن كل الالتزامات الوطنية من الادلاء بصوته في صندوق الاقتراع الى دفع فاتورة الماء والكهرباء وبات التطاول على المال العام مهارة والانضباط بالقانون جبن وهبل، وهذا يزيد الفجوة بين المواطن والدولة ويرفع من وتيرة العنف والغضب وتحصيل الحق بالقوة، فالفساد ليس له دين او مسقط رأس او منصب.
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/10/08 الساعة 00:09