دعوة جادة للإختلاط!

مدار الساعة ـ نشر في 2017/10/06 الساعة 00:10
في أحد كتب قصص توفيق الحكيم وأظنها يوميات نائب في الأرياف، ثمة اعتراف تقريعي من أحد الشباب حين يقول أن الأنثى الوحيدة التي كان يُسمح له بالمشي معها هي الجاموسة، ولعلنا نلحظ جميعا أن شباب الأرياف يبقون حتى وقت متأخر من سني عمرهم يعانون مشكلة في التواصل مع الجنس الآخر، أقصد مجرد الحديث مع فتاة ربما يحتاج لخبرات هائلة، حيث يتهدج الصوت وتحمر الأذنان، وتختلط الحروف فتخرج من غير مخارجها، ويصبح الفتى (أو الفتاة طبعا) أضحوكة أمام الآخرين، لنتخيل شابا أو شابة لا يتقن/ أو تتقن تجميع كلمتين في حوار مع الجنس الآخر، كيف يمكنه أن يحقق نجاحا في الحياة، يبدو أن وصية التفريق في المضاجع بين الأبناء إذا بلغوا مرحلة النضج ألقت بظلالها على مجمل المشهد، فامتد التفريق إلى بقية المواقع، وتبع ذلك غموض وقصص خيالية وسحر وشعوذة تشكل في ذهن كل فريق عن الآخر، هذا ضرب من الاضطهاد العاطفي، ربما لم يتطرق له المربون بما يكفي من اهتمام، المسألة لا تتعلق بشح التواصل بين الجنسين، بل بما يترتب على الفصل التام حتى في سياق الأسرة والأقارب، بين الذكور والإناث، من سوء فهم وزيجات فاشلة، وعلاقة مضطربة في الحياة!.
إذا كان الاضطهاد العاطفي الخاص بالأطفال يصيب شخصا من كل ثلاثة أطفال، فثمة خشية أن هذه النسبة تمتد لتصيب البالغين ولكن على نحو آخر من الاضطهاد، تقول إحدى الدراسات، أن شخصا من بين ثلاثة أقر أنه تعرض لفترة ما في حياته للاضطهاد العاطفي، وهي ظاهرة يتجاهلها المجتمع بحيث ستؤدي إلى نشوء جيل من البالغين يفتقر إلى الثقة بنفسه، بعض أمثلة هذا الاضطهاد تتلخص بصراخ الآباء في أوجه أبنائهم، واتهام الطفل بالغباء أو الكسل أو كونه عديم الفائدة، بل في بعض الحالات تمني الموت له، وتكمن خطورة هذه الظاهرة في أن المتسببين بها غير مدركين لعواقبها التي تدفع بالأبناء إلى الخوف من ذويهم والتسبب بمشكلة في الشعور بالاستقلالية ما يصعب من معالجتها عند البلوغ، الأمر ذاته يصيب البالغين الذين لا يجيدون التواصل مع الجنس الآخر، تحت تأثير العادات والتقاليد والخوف من عقاب المجتمع، وبطش الأسرة، بدعوى أن النار/ الأنثى يجب أن تبقى بعيدا عن البنزين/ الذكر قد يبدو حديثي وكأنه، دعوة مفتوحة للاختلاط بمفهومه السلبي السائد في المجتمع، غير أن ما أقصده تحديدا استلهام عادات العرب القديمة حتى ما قبل الإسلام، حين كانت المرأة أخت رجال، وحين كان لسان حال الرجل قول عنترة الشهير وأغض طرفي إن بدت لي جارتي.. حتى يواري جارتي مأواها والأهم من ذلك استلهام المفهوم النظيف للعلاقة بين الجنسين الذي يقول فيه الدكتور يوسف القرضاوي أن اللقاء بين الرجال والنساء في ذاته ليس محرمًا بل هو جائز أو مطلوب إذا كان القصد منه المشاركة في هدف نبيل، من علم نافع أو عمل صالح، أو مشروع خير، أو جهاد لازم، أو غير ذلك مما يتطلب جهودًا متضافرة من الجنسين، ويتطلب تعاونا مشتركًا بينهما في التخطيط والتوجيه والتنفيذ، بل يذهب للقول أن كلمة الاختلاط في مجال العلاقة بين الرجل والمرأة، كلمة دخيلة على المعجم الإسلامي لم يعرفها تراثنا الطويل العريض طوال القرون الماضية، ولم تعرف إلا في هذا العصر، ويؤكد إن الإسلام لا يصدر حكمًا عامًا في مثل هذا الموضوع، وإنما ينظر فيه على ضوء الهدف منه، أي المصلحة التي يحققها، والضرر الذي يخشى منه، والصورة التي يتم بها، والشروط التي تراعى فيه..!.
هذه مجرد دعوة للحوار والتفكر، لعل فيها ما يفضي إلى تصحيح مفهوم خاطىء، يصحح العلاقة بين البشر ذكورا وإناثا، بما يسهم في بناء شخصيات سوية من الرجال والنساء، تخلو من ندب الروح وفواتير الطفولة والمراهقة التي تستحق الدفع في مرحلة النضج!.
الدستور
  • شباب
  • عرب
  • إسلام
  • نساء
  • لب
  • إسلامي
  • صورة
مدار الساعة ـ نشر في 2017/10/06 الساعة 00:10