السعودية وروسيا.. صفقات مليارية وتباينات سياسية

مدار الساعة ـ نشر في 2017/10/05 الساعة 10:05
مدار الساعة - بدأ العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، مساء الأربعاء، زيارةً رسمية لروسيا، وصفت بـ"التاريخية" كونها الأولى لعاهل سعودي منذ تأسيس المملكة، وذلك تلبية لدعوة الرئيس فلاديمير بوتين.

وإضافة إلى ملفات التعاون الاقتصادي، والأزمة السورية، والملف الإيراني، يوجد 4 ملفات أخرى يتوقع أن تكون على أجندة القمة المرتقبة والزيارة الملكية، وهي: الأزمة الخليجية، والأزمة اليمنية، والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، والتعاون العسكري.

ومن المقرر أن يتم خلال الزيارة، التي تستغرق 4 أيام توقيع اتفاقيات اقتصادية بمليارات الدولارات تعزز العلاقات بين الجانبين، سواء على مستوى القطاع الحكومي أو الخاص، حيث يرافق العاهل السعودي وفد اقتصادي كبير يضم أكثر من 100 من رجال الأعمال السعوديين.

لكن يظل السؤال الأكثر إلحاحًا، بشأن مدى تأثير تلك الصفقات المليارية والتعاون الاقتصادي المرتقب، على إذابة "جليد" السياسة، جراء تباين المواقف بين البلدين في عدة ملفات، وخصوصًا الأزمة السورية، والملف الإيراني.

** التوازن في العلاقات

تجسد الزيارة سياسة السعودية -الحليفة الوثيقة لأمريكا- في توازن علاقاتها الدولية، وتنويع شراكاتها؛ لا سيما بعد أن زاد التقارب السعودي الروسي، خلال عهد الملك سلمان، بعد زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، روسيا مرتين في عهده، الأولى في 18 يونيو/ حزيران 2015، والثانية في 30 مايو/ أيار 2017.

وفي هذا الصدد، قال سفير السعودية لدى روسيا عبد الرحمن بن إبراهيم الرسي، في تصريح لوكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، إن الزيارة "تؤسس إطارًا لتنمية، وتعميق مسار التعاون، ضمن التوجهات في تنويع شراكات المملكة مع جميع الدول".


** صفقات مليارية

ملف التعاون الاقتصادي بين البلدين يحتل أهمية خاصة خلال الزيارة؛ سيما في مجال الطاقة، بوصفهما قطبي الاقتصاد النفطي، اللذين أسهما بشراكتهما الاستراتيجية في استقرار أسعار النفط، وإيجاد توجه إيجابي في السوق النفطي، كذلك فهما أعضاء في "مجموعة العشرين" التي تضم 20 دولة من أقوى اقتصادات العالم.

ويعتزم البلدان توقيع اتفاقيات هامة في مجال الطاقة، حيث أعلن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، الثلاثاء، أن موسكو والرياض ستوقعان مذكرة تفاهم خلال زيارة الملك سلمان لتأسيس صندوق مشترك بقيمة مليار دولار لتنفيذ مشاريع في مجال الطاقة.

وتحدث الوزير الروسي عن خطط لتوقيع مذكرتين بين البلدين، الأولى بين شركة "أرامكو" السعودية وشركة "سيبور" الروسية بشأن إنشاء شركة مشتركة في مجال الكيمياويات، والثانية، مذكرة للتعاون بين شركة "غازبروم نفط"، الذراع النفطي لعملاق النفط "غازبروم"، و"أرامكو" للنفط في إطار مركز للبحث العلمي والتقني.

أيضًا تأتي أهمية الزيارة من حيث توقيتها، كونها تأتي قبل شهر من اجتماع لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، المقرر أن تناقش خلاله تمديد اتفاق خفض الإنتاج الذي أدى إلى تحسين الأسعار.

وعززت موسكو والرياض مواقفهما في سوق النفط بتوقيع بيان مشترك في سبتمبر/أيلول 2016 يقضي باتخاذ إجراءات مشتركة بهدف تحقيق استقرار سوق النفط.

وستسهم زيارة الملك في إعطاء دفعة قوية لسوق النفط الخام الدولي، لكون الدولتين من أكبر المنتجين في العالم للنفط الخام، والتنسيق بينهما قبل اجتماع "أوبك" المقبل سيكون له تأثيره.

** رؤية 2030.. والتعاون الاقتصادي

إلى جانب الطاقة، ستشهد الزيارة تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، حيث أعلن صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي عن توقيع 9 صفقات استثمارية بين موسكو والرياض بقيمة مليار دولار في قطاعات مختلفة، تشمل البنية التحتية والبتروكيماويات وقطاعات أخرى، حسب موقع "روسيا اليوم".

وكانت موسكو والرياض قد أطلقتا بعد زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان إلى روسيا عام 2015، صندوقًا استثماريًا مشتركا بقيمة 10 مليارات دولار لتمويل مشاريع مختلفة في روسيا خلال السنوات المقبلة.

وقال رئيس مجلس الغرف السعودية، أحمد بن سليمان الراجحي، في حديث لوكالة الأنباء السعودية، عن الزيارة، إن المملكة تسعى إلى تعزيز علاقات الشراكة الاقتصادية مع الدول الفاعلة في منظومة الاقتصاد العالمي، وفقاً لرؤيتها 2030 المهتمة بجذب الاستثمارات الأجنبية والشراكات التجارية.

وبشأن حجم التبادل التجاري بين المملكة وروسيا، أوضح الراجحي أنه وصل إلى أكثر من 2.8 مليار ريال (746 مليون دولار) عام 2016، داعيًا إلى زيادة حجم التبادل التجاري من خلال استثمار الفرص المتاحة في كلا البلدين.

وفي هذا السياق، قال عبد العزيز الكريديس نائب رئيس مجلس الأعمال السعودي الروسي، لجريدة "الشرق الأوسط"، إن "الزيارة تشهد توقيع 16 اتفاقية، ومذكرتي تفاهم و4 رخص استثمارية، تؤسس لشراكة سعودية-روسية".
وتوقع الكريديس وصول حجم التبادل التجاري في السنوات الخمس المقبلة إلى أكثر من 10 مليارات دولار.

وتهدف رؤية المملكة 2030، إلى تنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط، بما يعمق من أثر ودور المملكة إقليميًا وعالميًا.


** التعاون العسكري

أيضا في إطار العلاقات الثنائية، فإن ملف التعاون العسكري، سيكون مطروحًا على أجندة القمة؛ لا سيما مع سعي المملكة لتوطين الصناعات العسكرية.

وقال الكرملين، الأربعاء، إنه من المتوقع أن يكون التعاون العسكري التقني مطروحًا على أجندة اللقاء.

وقال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف ردًا على سؤال حول ما إذا كان التعاون العسكري التقني سيبحث خلال القمة الروسية السعودية: "يمكن توقع وروده أيضًا في أجندة العمل"، حسب وكالة "سبوتنك" الروسية.

وبحسب تصريح سابق للأمير محمد بن سلمان، تنفق السعودية بالمتوسط نحو 70 مليار دولار سنوياً على استيراد السلاح. وتستهدف رؤية السعودية 2030 توطين 50% من واردات السعودية من الأسلحة.

وفي مايو/أيار الماضي، أسست السعودية شركة صناعات عسكرية وطنية جديدة، تحمل اسم الشركة السعودية للصناعات العسكرية، من المستهدف أن تكون ضمن أكبر 25 شركة في العالم بحلول 2030.

**الأزمة السورية.. والأجندة السياسية

تتصدر الأزمة السورية، التي تتباين رؤية البلدين حولها، الملفات السياسية المرتقب بحثها خلال الزيارة.

ويؤيد البلدان وحدة الأراضي السورية، وتحقيق السلام على أساس مقررات مؤتمر "جنيف 1"، والحل السياسي للأزمة، وحق الشعب السوري في تحديد مصيره، ويختلفان على آليات تحقيق هذه الأهداف، ومصير رئيس النظام السوري بشار الأسد.

إلا أن وكالة "سبوتنك" الروسية رفعت من مؤشر التفاؤل حول المباحثات المرتقبة في هذا الجانب، وتوقعت أن هذه الزيارة "تحمل إيذانًا بنهاية الحرب في سوريا".

ورغم مساحات التباين، في الملف السوري، حيث تدعم روسيا النظام، وتدعم السعودية المعارضة، فثمة مساحات اتفاق حيث دعمت السعودية روسيا لإرساء مناطق خفض التصعيد وفق آلية آستانة، فيما دعمت روسيا جهود الرياض لتوحيد المعارضة السعودية تمهيدا للتوصل لحل نهائي.


** الملف اليمني

أيضا سيكون ملف الأزمة اليمنية حاضراً على أجندة المباحثات خلال الزيارة.

وليس خافيا تذبذب موقف موسكو من الأزمة اليمنية، فروسيا تعلن دعمها للحكومة الشرعية ممثلة بالرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وتحافظ في الوقت نفسه على علاقات مع جماعة الحوثيين، وتتخذ أحيانا مواقف داعمة لهم، بحسب مصالحها.

وهنا يثار تساؤل حول ما إذا كانت كفة مصالح موسكو مع الرياض بعد القمة المرتقبة سترجح إلى جانب موقف السعودية، أو إيجاد مساحات توافق لحل الأزمة- بدور روسي- مع ارتفاع تكلفة الحرب في اليمن مع إطالة أمدها.


** الوساطة بالأزمة الخليجية

كما يتوقع أن يكون ملف الأزمة الخليجية حاضرًا خلال أجندة المباحثات، وسط توقعات أن تجدد موسكو دعمها للوساطة الكويتية، ودعوتها لحل الأزمة عبر الحوار، دون أن يكون هناك حلحلة حقيقية في تلك الأزمة.

وتعصف بالخليج أزمة بدأت، في 5 يونيو/حزيران الماضي، إثر قطع كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر بدعوى "دعمها للإرهاب"، وهو ما تنفيه الدوحة بشدة.

وفيما يتعلق بملف إيران، فرغم أن روسيا تتعاون مع إيران في سوريا، وكانت أحد الدول الذين توصل للاتفاق النووي مع طهران، فإنها تتفق مع الرياض في أهمية الحد من التدخلات الإيرانية في شؤون المنطقة وتر ضرورة التزام إيران بالاتفاق النووي.

فيما ستحظى ملفات التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، وأزمات المنطقة الأخرى، بمساحات توافق واتفاق أكبر بين الجانبين.

إجمالًا ستكون الزيارة ناجحة على الصعيد الاقتصادي، وخصوصا في ملف الطاقة، والبتروكيماويات، والاستخدامات السلمية للطاقة الذرية (سبق توقيع اتفاقيات تعاون بشأنها).

وتكمن أهمية المباحثات في مدى قدرتها على استثمار ودعم جوانب الاتفاق، وتقليل مساحات التباين والاختلاف، وهذا سيكون رهناً بقدرة وحسابات كل طرف، في ظل المتغيرات التي تشهدها مختلف تلك القضايا. الاناضول
مدار الساعة ـ نشر في 2017/10/05 الساعة 10:05