الجماعة في الجامعة

مدار الساعة ـ نشر في 2017/10/04 الساعة 00:15
كان يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، يوماً مميزاً من أيام جماعة عمان لحوارات المستقبل، من حيث المكان، ومن حيث الأداء، ومن حيث النتائج. أما المكان فهو الجامعة الأردنية، التي تمثل صرحاً حضارياً شامخاً، في وجدان كل أردني يُحسن القراءة في معجزة الإنجاز الأردني، الذي تحقق رغم فقر ذات اليد، الذي استعاض عنه الأردنيون الأوائل بثراء الأحلام وصلابة الإرادة وحسن التخطيط والتنفيذ لتحقيق أحلامهم. وبهذا كله كتبوا حكاية الإنجاز الأردني، الذي صار من حق رجل كبير كدولة الدكتور عبد السلام المجالي، أن يغالب دموعه وهو يتحدث عن بعض ما زرعه جيله، ومن هذا الزرع الجامعة الأردنية، التي استضافت جماعة عمان لحوارات المستقبل في يوم نشاط مفتوح بعنوان «كيف نبني تماسكنا الاجتماعي في مواجهة خطاب الكراهية»، حيث أكد مسار ذلك اليوم أن الجامعة الأردنية ما زالت جديرة باسمها، وأنها تستحق أن تظل محط أمل الأردنيين من حيث قدرتها على التفاعل مع المجتمع ومن حيث قدرتها على التنظيم وعلى الإلتزام بالمواعيد والبرامج، فتحية لأسرة الجامعة، وعلى رأسها رئيسها الدكتور عزمي محافظة، الذي فرغ نفسه على كثرة مشاغله، ليشارك بكل فعاليات اليوم المفتوح الذي نظمته الجماعة بالتعاون مع الجامعة، إيماناً منه بأهمية انفتاح الجامعة على المجتمع من جهة، وبأهمية الحوار من جهة أخرى، وأهمية الموضوع والقضية، التي طرحتها جماعة عمان لحوارات المستقبل وهي قضية بناء تماسكنا الاجتماعي في مواجهة خطاب الكراهية، والأهم من ذلك كله أن يكون الطلبة شريكاً أساسياً في الحوار الذي اتسع له صدر رئيس الجامعة مثلما اتسع له وقته.
لقد كان من الطبيعي أن تذهب جماعة عمان لحوارات المستقبل،إلى الجامعة الأردنية لأن الجماعة تعرف نفسها بأنها حركة تغير وتنوير مجتمعية، فكان من الطبيعي أن تسعى إلى مد جسور التعاون مع مراكز التنوير والتغيير في وطننا، وفي مقدمتها الجامعات الأردنية، وعلى رأسها أم الجامعات أعني بها الجامعة الأردنية، التي تشكل جزءًا مهماً من ضمير كل أردني، مثلما تشكل رمزاً حياً لإرادة التغير والتنوير والتطور، التي صبغت مجتمعنا الأردني، منذ بواكير تأسيس الدولة الأردنية المعاصرة، على أيدي الأباء الأوائل لهذه الدولة، الذين اجترحوا المعجزات، واستطاعوا رغم شح الموارد، أن يقدموا للعالم قصة نجاح تمثل هذه الجامعة عنواناً من عناوينه المشرقة، مثلما تؤمن ملاذاً يلجأ إليه الأردنيون، إذا حزب بهم أمر، وواجهتهم مشكلة تحتاج إلى حل، ومن أولى من الجامعة بالتصدي لمهمة تقديم الحلول لمشكلات المجتمع، وفي طليعتها المشكلات الاقتصادية والاجتماعية.
لقد ذهبت الجماعة إلى الجامعة لتتحاور حول أفضل الطرق لاستعادة تماسكنا الاجتماعي، الذي اعتراه الكثير من الوهن، وأصابته الكثير من الاختلالات، وأبرزها العنف الذي لم تسلم منه الكثير من جامعاتنا، حتى صار العنف الجامعي محل مقالات وأبحاث، وندوات ومؤتمرات، علماً بأنه جزء من عنف أشمل، يجتاح مجتمعنا معنوياً من خلال العنف اللفظي، الذي صار خطاباً للكراهية تغص به مواقع التواصل الاجتماعي، اغتيالاً لشخصية الأفراد والجماعات، وتشويهاً لسمعة الوطن ورموزه، وعنفاً مادياً تزداد مظاهر جنونه في مجتمعنا، لتزيد من مشكلاته الاجتماعية مشكلة أخرى، تضاف إلى مشكلات الطلاق والعنوسة وأزمات السير والسكن، والقائمة تطول من المشاكل التي صار شباب الوطن أولى ضحاياها والذين تحاول جماعة عمان لحوارات المستقبل المساهمة في حمايتهم من خلال السعي لتصدي لهذه المشكلات عبر وثيقة التماسك الاجتماعي، التي أصدرتها الجماعة بهدف المساهمة في استعادة تماسكنا الاجتماعي، الذي كانت ترسُخه عاداتنا البسيطة والحميمة في الوقت نفسه، قبل أن نستبدلها بما صرنا نشكو منه آناء الليل وأطراف النهار، من اختلالات في سلوكنا وعاداتنا الاجتماعية..
وجماعة عمان لحوارات المستقبل تؤمن، بأن العبء الأكبر في معالجة هذه الاختلالات يقع على المواطن، فكثيرة هي الأدوار التي نستطيع كمواطنين القيام بها لمحاربة الاختلالات الاجتماعية، و أولها قيام الأفراد بمسؤوليتهم في مقاومة هذه الاختلالات، من خلال الامتناع عن ممارستها من جهة، ومقاطعة من يمارسها من جهة أخرى. فكلنا مسؤول عن هذه الاختلالات وكلنا يجب أن يتحمل مسؤولية معالجتها. ولذلك فإن الجماعة تدعو إلى إحياء دور الرقيب الاجتماعي. لأن الرقابة الاجتماعية تشكل في كثير من الأحيان رادعاً أقوى من الرادع القانوني، لذلك فإن الجماعة تسعى إلى تفعيل الرقابة المجتمعية على ممارساتنا، لتجعل من الاختلالات التي طرأت على هذه الممارسات رذيلة اجتماعية يخجل من يمارسها، ويحسب ألف حساب للعقوبة المجتمعية التي سيتعرض لها من خلال إحساسه بالنبذ نتيجة لممارسته للخطأ، وخروجه على العرف والقانون.
كما تؤمن الجماعة بأنه حتى يقوم المواطن بدوره فإنه لابد من بناء وعيه، وهذا هو دور الجامعة، لأن فيها خيرة العقول، ولأنها تحتضن مستقبل الوطن، ممثلاً بشبابه، الذين هم في الوقت نفسه أولى ضحايا الاختلالات التي نعاني منها، لهذا كان مقصدنا الجامعة الأردنية التي لم تخيب الرجاء فيها فشكراً للجامعة ولأسرتها.
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/10/04 الساعة 00:15