هل يعيد الصراع الدائر في سوريا ترسيم خريطة الشرق الأوسط؟

مدار الساعة ـ نشر في 2017/01/07 الساعة 22:02

مدار الساعة- أصبح الشرق الأوسط الآن فريسة لصراع دائم بين قوى تطمح كل منها إلى احتلال المساحات التي خلفها تضاؤل الوجود العسكري والسياسي الغربي، كما قال الأستاذ المساعد فابريس بالانتشي، مدير الأبحاث في جامعة ليون 2.

عادت روسيا بإصرار - بحسب ما كتب بالانتشي الزميل الزائر في معهد واشنطن في مقاله لموقع Euronews - إلى المشهد الإقليمي الحالي بعد انقطاع خلال فترة ما بعد الحرب الباردة، في مقابل وجود أقل وإن كان لا يزال كبيراً ومؤثراً للولايات المتحدة، بينما تملأ الصين الفجوات الموجودة، ويقف الاتحاد الأوروبي حذراً تجاه ما يجرى في المنطقة. 

نص المقال

من الواضح أن الرئيس العراقي صدام حسين افترض في عام 1990 أن الغرب سيوافق على غزوه للكويت، وذلك بالنظر إلى الاضطرابات المصاحبة لنهاية الحرب الباردة. ففي العقد السابق، تلقى صدام دعماً من الغرب ومن ممالك النفط الخليجية في حرب بلاده ضد إيران.

لكن الزعيم العراقي كان قد أخطأ الحسابات هذه المرة. ففي غضون بضعة أشهر، نُشرت قوة عسكرية ضخمة - بقيادة الولايات المتحدة - تتألف من مئات الآلاف من الجنود في منطقة الخليج لحماية السعودية وتحرير الكويت.

وكانت حرب الخليج الأولى علامة مميزة لبداية فترة الهيمنة الأميركية في المنطقة، والتي ستستمر عقدين من الزمن، وكان الأمر الأكثر تعبيراً عن هذا هو حرب العراق من عام 2003 حتى عام 2011. لكن في الحرب السورية، قلّصت الولايات المتحدة دورها الإقليمي.

في المشهد الإقليمي الحالي - في مقابل وجود أقل وإن كان لا يزال كبيراً ومؤثراً للولايات المتحدة - عادت روسيا بإصرار، بعد انقطاع خلال فترة ما بعد الحرب الباردة، وتملأ الصين الفجوات الموجودة، ويبقى الاتحاد الأوروبي حذراً. وهو ما يُفسح بالتالي مجالاً لتركيا والسعودية وإيران، فكل منها تريد زيادة نفوذها الإقليمي، مع أو دون مساعدة اللاعبين الدوليين المؤثرين.

ابتعدت تركيا - عضو الناتو - بشكل واضح عن المعسكر الغربي، وتتقاسم بعض الأولويات مع روسيا، كما هو الحال اليوم في سوريا. وبرهنت السعودية على زيادة الانفصال عن الولايات المتحدة بناءً على الانتقادات الموجّهة لواشنطن بشأن التدخل غير الكافي في الحرب السورية، وللتوصل لاتفاق نووي مع إيران. أما إيران فقد خرجت من عزلتها، وساعدها في ذلك تغلغل روسيا والصين في المنطقة. وعلاوة على ذلك، فقد منح الاتفاق النووي إيران موارد مالية إضافية وساعد على تطبيع علاقاتها مع الغرب.

في طريقها للعودة إلى التواجد بقوة في الشرق الأوسط من خلال الحرب السورية، تذرعت روسيا بقانون دولي لتبرير دفاعها عن بشار الأسد. وبهذا المنطق، أي تدخل أجنبي ضد حكومة ذات سيادة سيُعتبر مبرراً للحرب. وتشترك معها الصين في مثل هذا الموقف. القوتان الأورو-آسيويتان لا تريدان تدخل الغرب - من خلال الأمم المتحدة - في أطرافهما الهشة.

ورغم أن القاعدة الروسية البحرية في طرطوس بسوريا، ومحطات الرادار في البلاد لا تمثل مصالح استراتيجية أساسية، فإنها بمثابة تأييد لسوريا كحليف في المنطقة، والتي جمّعت الصراعات فيها التدخلات الدولية سريعاً.

وفي الوقت نفسه، يرى الصينيون الوصول إلى احتياطيات النفط في الشرق الأوسط جذاباً للغاية، نظراً لاحتياجاتهم من الطاقة، في حين أنه لدى الروس ما يكفيهم من إنتاج الغاز والنفط المحلي. وأخيراً، تخشى موسكو وطهران وبكين من تردد أصداء الإرهاب المُتمثل في "داعش"، في الميليشيات التي تعمل على زعزعة الاستقرار المحلي لديهم، وبالتحديد في جنوب روسيا وغرب الصين.

غياب الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط واضح في العديد من المستويات. في حملة ليبيا عام 2011، على سبيل المثال، قدمت الولايات المتحدة 70% من الخدمات اللوجستية العاملة، على الرغم من الوجود الأنجلو-فرنسي.

في أغسطس/آب 2013، وجدت فرنسا نفسها وحيدة في سوريا بعد الرفض البريطاني للمشاركة عسكرياً، خصوصاً بعد إشاحة الولايات المتحدة لوجهها، عندما ألغى باراك أوباما قصف سوريا رداً على هجوم النظام بالأسلحة الكيميائية على ريف دمشق.

علاوة على ذلك، أعاق البطء والتردد من صناع القرار الجماعي داخل الاتحاد الأوروبي المحاولات الفرنسية أو البريطانية للقيام بأي شيء في سوريا، والذي ظهر أنه نفسه كان معتمداً بشكل كبير على حلف الناتو، وبالتالي، القرارات الأميركية.

اقتصادياً، تراجع الاتحاد الأوروبي أيضاً إلى دور ثانوي في التعامل مع القدرة المالية الهائلة لممالك النفط في الخليج، ودول البريكس BRICS؛ المتمثلة في البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.

وهكذا صار الشرق الأوسط الآن مُركزاً داخلياً أكثر مما كان عليه الوضع في العقود الماضية، وأصبح فريسة لصراع دائم بين قوى تطمح كل منها إلى احتلال المساحات التي خلفها تضاؤل الوجود العسكري والسياسي الغربي.

في أكتوبر/تشرين الأول عام 2013، قال عمار الموسوي - مدير العلاقات الخارجية لحزب الله، الجماعة اللبنانية المسلحة والحزب السياسي - في مقابلة، إن الصراع في المنطقة سيستمر لوقت "طويل" بين أطراف متكافئة "للغاية" لعدة عقود.

لم يُشر الموسوي مباشرة إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والذي لا يزال يمثل أولوية بالنسبة لحزب الله. لكنه بالرغم من ذلك تحدث عن حرب بالوكالة في سوريا. على الرغم من أنه لم يذكر صراحة العنصر السني-الشيعي [للصراع]، إلا أن حسن نصر الله -زعيم حزب الله- قال ذلك قبل شهرين، متهماً السعودية بإثارة فتنة جديدة.

للصدى العالمي للحرب السورية سابقة حدثت قبل 4 قرون: الصراع في بوهيميا (1618-1623)، والذي بدأ حرب الثلاثين عاماً. اليوم، تُقيّم القوى العالمية مثل روسيا والصين والولايات المتحدة وأوروبا مصالحها الإقليمية والتدابير التي ستتخذها لتحقيقها.

في نفس الوقت، يمكن للصراع ذاته أن ينمو فقط - كما يوضح مثال اليمن - نظراً لتحرر الجهات المحلية الفاعلة. ولكن في ظل عدم الاستقرار الكبير الحادث، يظهر الآن ما يشبه نظام ويستالفي جديد في الشرق الأوسط. بدلاً من محو أخطاء الماضي، قد يتم فرض التقسيم الإقليمي الجديد على نفس خطوط سايكس بيكو، التي قامت القوى الاستعمارية المغادرة بتقسيم المنطقة على أساسها.

مدار الساعة ـ نشر في 2017/01/07 الساعة 22:02