التسرب من مؤسسة الزواج!
هناك تسرب من المدارس، ومن الوظيفة، ومن أشياء أخرى غير مرغوب فيها، أو رغبة في «التشرد» والتسكع، لكن «التسرب من مؤسسة الزواج» ربما يكون أحد أهم أنواع التسرب، لما يترتب عليه من آثار على الأسرة والمجتمع كله!
منذ أعوام سألنا هنا: لماذا يهرب احد الأزواج من بيته؟ نعرف لماذا يتسرب الأولاد من المدرسة، ولماذا «يطفش» المراهقون والمراهقات الى الشارع، ولماذا تتفكك الأسر ويتحول أطفالها الى بيع العلكة والتسكع في الطرقات، فلماذا «يصيع» الراشدون، وينشدون الراحة خارج «عش» الزوجية؟
قال لي -ذات مساء- رجل بالغ عاقل جدا، وذو مكانة رفيعة في المجتمع، سألته عن سر تأخره الدائم خارج البيت ليلا، مع أنه ينهي عمله أحيانا مبكرا: أنتظر لحظة نوم زوجتي كي أتسلل إلى البيت على رؤوس أصابعي! سألت: ولم؟ قال: حتى لا أصدع رأسي وأدخل في سين وجيم، أين ومتى ولم وكيف! وأنا أصلا «مش ناقص» منذ سقطت الأمة في فخ التشرذم والاقتتال البيني «مش طايق حالي» فما بالك بالآخرين؟ قلت: يعيني تهرب من المواجهة؟ قال: واجهت بما فيه الكفاية، ومللت، خضت نقاشات ومطارحات فكرية، وعصفا ذهنيا حتى ساعات الفجر، لمرات ومرات، لكن كل مرة نعود إلى نقطة الصفر!
سألت: علام الخلاف الرئيس؟ أعني أي القضايا لا حل لها؟ قال: أشعر أن هناك رغبة من الطرف الآخر بامتلاكي، كأي قطعة أثاث، أو حيوان أليف؛ قطة أو كلبا أو سلحفاة، وأنا لست كذلك، في غالب الأحيان، أي نعم أستسلم أحيانا، فرارا إلى الأمام، لكنني لا يمكن أن أتقمص الدور باستمرار، مللت، بل أحيانا أشعر أنني على وشك الغياب، أو الاختفاء التام!
قلت: الرغبة في الامتلاك، وما يتبعها من غيرة وملاحقة وتجسس؟ قال: بالضبط!
لم أكتف بسماع وجهة نظر «ذكورية» فقط، فقد استمعت لشكوى تكاد تكون مستنسخة من سيدة فاضلة، لكن الفرق هنا، أنها بسبب كونها أنثى، تعاني من الاعتقال والإقامة الجبرية، ولا ملاذ لها، ولا سبيل كي «تطفش» أو تتأخر ليلا هربا من «مواجهة» عبثية، لهذا فهي تعيش بين أربعة جدران، وتمضغ حالة صراع مريرة، بين أن تمتثل وتستكين لسلطة الزوج، واستحقاقات واشتراطات المجتمع الذكوري، أو أن تبحث عن راحة ما خارج «المؤسسة الرسمية»، وهنا تنفتح أبواب جهنم! هكذا قالت! سألتها عم تعنيه، فالتفت بخجل طاغ، لكنها تماسكت وقالت: أتعلم كم لدينا من سيدات المجتمع المحترمات الباحثات عن ملاذ «آخر» ؟ قلت: كم؟ وشعرت بالخوف، فمجتمعنا يبدو محافظا ونظيفا -وفق الطلاء الخارجي- قالت بأسى: كثيرات جدا، للأسف! في محيطي أنا أعرف أكثر من خمس حالات «خيانة!» (كم أمقت هذه الكلمة!) قلت: أستحلفك بالله أن لا تكملي! لا أريد أن أعرف المزيد، لن أحتمل أرجوك!
هل نحتاج لورشة عمل تبحث في «هروب الأزواج من المؤسسة الرسمية»؟! سألت عددا من الأصحاب والمعارف، وفوجئت بالجواب، كان ثمة إجماع على أهمية فتح هذا الملف، فهو سبب لكثير من الاحتقانات في المجتمع، وهو من الملفات المسكوت عنها، على اعتبار أن «الأسرة» بخير، وهي الحاضنة السليمة لإنتاج «جيل المستقبل» فهل هذا صحيح؟ وهل الجيل المنتج حاليا سليم بما يكفي لإحداث التنمية السياسية والاقتصادية وتحرير البلاد المحتلة؟ بل قال لي أحدهم: كيف تطلب مني أو منها، أن ننتج جيلا محررا، بكسر الراء وفتحها، وأرواحنا وأجسادنا محتلة؟
أين الخلل؟ أهو في المؤسسة نفسها؟ أم في فشلنا البارع في إجراء أي حوار عقلاني حر ومنفتح حول قضايانا الساخنة المسكوت عنها؟؟ لا أدري.. هو سؤال مطروح علينا جميعا، كان ولم يزل، وحتى نجيب عنه، ثمة الكثير من المعضلات التي سنبقى نعاني منها، ليس على مستوى المجتمع الصغير، بل على مستوى الأمة بأسرها!
الدستور