قمرها وحيد
مدار الساعة ـ نشر في 2017/09/28 الساعة 00:14
لا شيء هذا المساء.. الأولاد ملهيون في دروسهم الأولى ، يكتشفون رائحة الورق الجديد ، تشدّهم لمعة الألوان في الصور.. يروون تفاصيل التفاصيل في الصفوف ، يخافون على تجليدهم الجديد من الصغار، ثم يلملمون الكتب المنثورة حولهم، يرتبّونها في الحقيبة و يسندونها خلف الباب ليوم جديد..يسبحُ المكوى بخطوط موازية فوق “الإشارب” الناعم ، فطالبات السنة الأولى في الجامعة يحرصن ان يظهرن مرتبات بالحد الأعلى من تناسق الألوان بعد أن خلعن شرنقة المراييل الخضراء ..
في أيلول يتساقط ورق الشجر وينبت ورق الكتب، هي دورة الحياة التي لا تنتهي ، بين الفقد والاكتساب، بين النهاية والبداية بين برتقالية الورق الجاف ..والنعاس الذي يلتصق بشبابيك الحافلات البرتقالية التي تحمل طلاب المدارس ..
في السهل البعيد “تراكتور” يقلب الأرض اليابسة ، يطيح بتنظيمات الشوك التي تحتل وطن القمح ، يكتب بدخانه وغبار الأرض رسائل شوق ملوّنة إلى السماء..ها أيلول قد رحل ،فمن يبلّ ريق الأرض بزخّة مطر!!..عمّال يشربون شاي الضحى خلف سياج تحت الإنشاء ،بصماتهم البيضاء المخلوطة بالرمل والأسمنت على زجاج الأكواب تشبه الخارطة الجوية المقبلة،منخفض عميق يتمركز على حافة الكوب..بسطة على الشارع العام معروض عليها بعض حجيج الفاكهة الأخيرة من الموسم؛ عناقيد عنب بحبات طرية تثير الحزن لا الشهوة ،هي تشبه العيون الباكية المغمسة بدمع الصيف الطويل،أحسّها حزينة لانفصالها عن الدالية التي حملتها وهناً على وهن ، اترك العناقيد بصناديقها وأغادر..
غروب أيلول يشبه تلك العناقيد أيضا، طري وحزين ودامع، سجّادة تتدلّى من على الحائط ، ترقص مع نسمات الغروب تنتفض إلى أسفل ، لكنها لا تتخلّى عن نقوشها أو زخرفتها ، هي تجامل الريح لا أكثر..بوابات تصفق لتيار هواء مفاجىء ، غزلان الغيم تهرول في سماء ليست معتمة تماماً ، قطع غيوم صغيرة تطوف الفضاء ،تأتي مسرعة من الغرب ، تصلح أن تكون وسادة أو شبل حلمٍ ،أو معطف لفكرة..في الليل تُجرّ كراسي البلاستيك من أمام الدكاكين بازدراء كما يجر السكارى، تغلق المحال باكراً،ويصبح مزاج المدينة أيلولياً .. السهرات أقصر عمراً، وأكثر وحشة، وأعمق تأملاً…انظر من شبّاك غرفتي أجد الياسمينة ساهرة على السياج تواسي أغصان الدالية اليابسة تغنّي لها وترش الندى على أصابعها..و في آخر الليل يمشي القمر حافياً بين النجوم يطأ زهر الياسمين المستيقظ فيفوح الحلم..في أيلول لست بحاجة إلى كائنات أكثر..فأنا ملكٌ في وطني الليل..شعبي ياسمينة وغيمة حزينة.. ويكفي أن قمرها وحيد!.
الرأي
في أيلول يتساقط ورق الشجر وينبت ورق الكتب، هي دورة الحياة التي لا تنتهي ، بين الفقد والاكتساب، بين النهاية والبداية بين برتقالية الورق الجاف ..والنعاس الذي يلتصق بشبابيك الحافلات البرتقالية التي تحمل طلاب المدارس ..
في السهل البعيد “تراكتور” يقلب الأرض اليابسة ، يطيح بتنظيمات الشوك التي تحتل وطن القمح ، يكتب بدخانه وغبار الأرض رسائل شوق ملوّنة إلى السماء..ها أيلول قد رحل ،فمن يبلّ ريق الأرض بزخّة مطر!!..عمّال يشربون شاي الضحى خلف سياج تحت الإنشاء ،بصماتهم البيضاء المخلوطة بالرمل والأسمنت على زجاج الأكواب تشبه الخارطة الجوية المقبلة،منخفض عميق يتمركز على حافة الكوب..بسطة على الشارع العام معروض عليها بعض حجيج الفاكهة الأخيرة من الموسم؛ عناقيد عنب بحبات طرية تثير الحزن لا الشهوة ،هي تشبه العيون الباكية المغمسة بدمع الصيف الطويل،أحسّها حزينة لانفصالها عن الدالية التي حملتها وهناً على وهن ، اترك العناقيد بصناديقها وأغادر..
غروب أيلول يشبه تلك العناقيد أيضا، طري وحزين ودامع، سجّادة تتدلّى من على الحائط ، ترقص مع نسمات الغروب تنتفض إلى أسفل ، لكنها لا تتخلّى عن نقوشها أو زخرفتها ، هي تجامل الريح لا أكثر..بوابات تصفق لتيار هواء مفاجىء ، غزلان الغيم تهرول في سماء ليست معتمة تماماً ، قطع غيوم صغيرة تطوف الفضاء ،تأتي مسرعة من الغرب ، تصلح أن تكون وسادة أو شبل حلمٍ ،أو معطف لفكرة..في الليل تُجرّ كراسي البلاستيك من أمام الدكاكين بازدراء كما يجر السكارى، تغلق المحال باكراً،ويصبح مزاج المدينة أيلولياً .. السهرات أقصر عمراً، وأكثر وحشة، وأعمق تأملاً…انظر من شبّاك غرفتي أجد الياسمينة ساهرة على السياج تواسي أغصان الدالية اليابسة تغنّي لها وترش الندى على أصابعها..و في آخر الليل يمشي القمر حافياً بين النجوم يطأ زهر الياسمين المستيقظ فيفوح الحلم..في أيلول لست بحاجة إلى كائنات أكثر..فأنا ملكٌ في وطني الليل..شعبي ياسمينة وغيمة حزينة.. ويكفي أن قمرها وحيد!.
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/09/28 الساعة 00:14