الرد على الوعد!
-1-
وعدان مرا هذه الأيام، الأول وعد بلفور ومئويته المُرة، أما الثاني، فوعد صهيوني جديد بنكبة ثالثة للشعب الفلسطيني، (الوزير الصهيوني تساحي هنغبي هدّدّ الفلسطينيين بالتعرض لـ»نكبة ثالثة» إذا ما استمرت ما أسماها دائرة العنف الحاليّة ولم يبادروا إلى وقفها، وذلك في منشور نشر على صفحته في فيسبوك، فكان الرد ...!
جميل أن تستثمر «الذكريات السوداء» في تاريخ الشعوب باعتبارها مناسبة للنضال وفضح العدو وممارساته، لكن الأجمل والأجدى أن يُحتفل بها على طريقة ابن بلدة بيت سوريك غرب مدينة رام الله البالغ من العمر (37 عاماً) حيث امتشق روحه وحمل مسدسا وخنجرا، وأهدى الموت لثلاثة جنود من جيش الاحتلال الصهيوني، وأهدى الرابع إعاقة دائمة، ردا على «هدايا» الاحتلال ووعوده الغزيرة بتحويل حياة الفلسطيني إلى جحيم!
(إعلام العدو : منفذ عملية القدس نصب كمينا وتصرف بهدوء، ثم فتح النار صوب الجنود حتى انتهت ذخيرته ومن ثم تأكد من مقتلهم مستعملا السكاكين!)
نحن لا نمجد الموت، ونحب الحياة، ولكن ليست أي حياة، كما هو شأن «الآخرين» الذين قال عنهم رب العزة في سورة البقرة: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)
ابن بيت سوريك، ترك وراءه أربعة أبناء، يدرك قبل غيره أن حياتهم ستكون أفضل لو تم تعميم طريقته في الاحتفال بالوعود إياها!
-2-
رسالة شهيد بيت سوريك نمر محمود أحمد الجمل أكثر من بليغة هذه الأيام، رسالة بلاد حرة لا تسكت على الضيم، ولا يفت في عضدها تسابق الأشقاء والأخوة لتمجيد الاحتلال وتأبيده، باعتباره جزءا من هذه الأرض، اعترافا به وتطبيعا للعلاقات معه، رغم أنه هو نفسه لا يطبع علاقاته مع أبنائه! كما أنها رد واضح وصريح على كل من يدعو من على منصة الأمم المتحدة للتقارب والتطبيع مع المحتل الذي أدمن شرب الدم الفلسطيني وإراقة كرامته على الحواجز والطرقات، ولم يراع حرمات غرف نوم الحرائر والأطفال، فلا تكاد تمر ليلة دون أن يقتحم بيوت الفلسطينيين، ويروع النائمين، ولا تكف عقليته الإجرامية عن التفنن في إهانة الناس ومقدساتهم، وإن ننسى فلا ننسى تلك الصورة التي شقت قلوب الأحرار، وشرخت وجدانهم، حيث التف العلم الصهوني بالكامل «حاضنا» مسجد أبينا إبراهيم في مدينة خليل الرحمن، فيما كانت سوائب وقطعان المستوطنين ترقص وتغني احتفالا بحلول سنتهم العبرية!
-3-
«علّمنا عليهم الله تسلم يمينك يا نشمي»... نحن شعب نقاوم احتلالا جاثما على أرضنا، منطق استجداء الحقوق لا نعرفه، نحن نجيد انتزاع حقوقنا بأيدينا، بطل فلسطيني أحب أن يصبّح علينا بطريقته البطولية .. كل رصاصة في القدس تنطلق إلى صدر ورأس غاصب صهيوني تقتل أيضا كل دعوات التطبيع. مبارك لكل حر في الأرض ولا عزاء للمطبعين.
هكذا علق أبناء الأرض المقدسة على عملية قطنة، ولا يدرك فحوى هذا الكلام مثل من ذاق مرارة الاحتلال، ورصد ما يفعله بالبشر والحجر والشجر، منذ ذلك الوعد القبيح، وصولا إلى الوعد الأكثر قبحا، وهو وعد النظام الرسمي العربي الذي تحول إلى خطة عمل فعلية، بالقبول بالمحتل، واعتباره «صاحب الأرض» وربما منحه قريبا عضوية كاملة في جامعة الدول العربية ولو بصفة مراقب، هذا طبعا إن رضي بتلك المنة!
قبل أيام ليست قليلة، سئل النتن-ياهو: لم لا تقبلون بالمبادرة العربية؟ فقال: ولم نقبل بمبادرة جاء أصحابها إلينا بلا أي شروط من تلك التي وضعوها فيها؟
الصهاينة «علّموا» على الرسميين العرب، أما أبناء الأرض المقدسة، الذين رضعوا الكرامة مع زيت الزيتون، فعلموا على من علم على من خذلهم!
الدستور