الباشا العدوان يكتب: في رثاء مقاتل من القوات الخاصة (حسين العموش)

مدار الساعة ـ نشر في 2017/09/26 الساعة 12:39
كتب: موسى العدوان في رحلته الأبدية إلى جوار ربه، يوصي المقاتل حسين عقله العموش رفاق السلاح وأبناءه، في الحفاظ على الوطن الذي تنهشه لصوص النهار قبل لصوص الليل. رجل يرحل مودعا الدنيا، حاملا معه هم الوطن الذي كافح وشقي من أجله، لكي يبقى سليما يحتضن أبناءه بأمن وأمان. رسالة الوداع هذه، تجسّد مشاعر الخوف على وطن يغادره، بعد أن ساهم مع الأوائل من زملائه في بنائه بالعرق والدماء، في وقت يسعى به آخرون لبيعه بأبخس الأثمان. حسين العموش – رحمه الله - عرفته ضابطا برتبة ملازم، التحق بكتيبة المظليين 91 عندما كنت قائدا لها، في أوائل السبعينات من القرن الماضي. وتوسعت معرفتي به أيضا عندما كنت قائدا للقوات الخاصة في أوائل الثمانينات. فقد عرفت فيه دماثة الخلق والشجاعة والإخلاص للعمل وحب الأردن. كم هي الأيام والليالي التي قضيناها سويا مع بقية أسود القوات الخاصة، نجري التمارين العسكرية في ساحات الشرف، متنقلين من الصحراء إلى أحراش العالوك، وجبال سوف، وغابات عجلون، واشتفينا، وبرقش، وسد الملك طلال، والكرك، والأغوار. إضافة لإجراء القفز بالمظلات في أراضي الطنيب شرقي مادبا، وفي سهل نصاب قرب الزرقاء، وأخيرا إجراء التدريب على العمليات الخاصة في المدن والمطارات. كان كل ذلك استعدادا لما كنا نتوقعه من الهبوط بالمظلات في يوم قادم، والقتال مع العدو الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، قبل أن تصعقنا معاهدة وادي عربة. كان حسين العموش مشاركا بهذه العمليات بكل جدارة وتصميم، وكان دائما في طليعة المقاتلين ينفث فيهم الروح التعرضية لإنجاز المهمة المفترضة، إلى أن أحيل إلى التقاعد برتبة عميد، حيث التقطته دول الخليج للاستفادة من خبرته بتدريب القوات الخاصة في قواتها المسلحة. لقد كان العموش مقاتلا شرسا يفتدي وطنه بروحه ودمه، ساعيا للحصول على الشهادة في سبيل الوطن، ولكن الله لم يكتب له ما تمناه، فعاش إلى أن جاءت ساعة الحقيقة في الوقت المحتوم. في رسالته الوداعية وقبل أن يستسلم للقدر، كتب لرفاق السلاح ربع الطواقي الحمر، الذين أمضى جل عمره معهم كلمات مؤثرة، تعبّر عن عمق انتمائه للجندية وعشقه لهذا الوطن، الذي لم يملك منه حبة تراب في دابوق أو عبدون. فقد عزّت عليه الأرض التي اختلط عرقه بترابها من الشمال إلى الجنوب، وعزّت عليه الغيوم التي كان يلتحفها في العراء، خلال ليالي البرد القارس، وتذكّر أيام الحر الشديد الذي كان يتوق فيه لشربة ماء، أثناء التمارين العسكرية.

فنيابة عن زملائك العسكريين الذين أشرت إليهم في وصيتك، وعن " القوات الخاصة" التي أحببتها، والتي تحوّل اسمها إلى " العمليات الخاصة " بعد أن ضمرت في حجمها هذه الأيام، وعن أبنائك وإخوانك في هذا الوطن الغالي، أترحم على روحك الطاهرة، راجيا الله أن يسكنك فسيح جناته. وكقائد سابق لك .. وجدت من واجبي أن أرثيك بهذه الكلمات البسيطة، والتي لا تفيك كامل حقك، وأن انشر وصيتك بأدناه على أوسع نطاق ليطلع عليها أبناء الأردن، إكراما لروحك وتقديرا لأبنائك، ليعرف تجار الأوطان ومن يتشدّقون بالوطنية، كيف يكون إخلاص العسكريين لوطنهم خلال الحياة وعند الممات.
* * *
وصية العميد المتقاعد حسين العموش قبل وفاته بسم الله الرحمن الرحيم إلى رفاق السلاح . . إلى الكاب العنابي الذي توج جباهنا بالعز . . القوات الخاصة . . إلى الأرض التي عرفت وطأتنا . . إلى الغيمات التي عرفتنا في السماء. . إلى الوطن الحب الذي خبرناه . . إلى العسكرية التي خبرناها الماء والهواء . . السهول والوديان . . الجبال في صولات المجد وحب الأوطان . . إلى أحبتي من صحبتهم مدى العمر والكفاح . . اليوم حين تنشر هذه الحروف أكتب آخر كلماتي . . آخر همساتي ونبضاتي . . أكتب وداعي وبقائي إلى جانبكم في الذكرى والذكريات . . في المواقف الحرجة وحين تظهر فيها الرجال . . رفاقي . . أبنائي . . بناتي . . زوجتي الحبيبة وأخواني السند . . أودعكم اليوم بآخر الحروف وما تملكني من مشاعر . . أوارى الثرى هذا اليوم ووصيتي إلى أبنائي أن تُنثر هذه الوصايا معطرة بالشيح والقيسوم . . فوق الجبال وعند أشجار البلوط . . وصيتي حافظوا على الوطن والتراب . . حافظوا على بلادكم وأهليكم . . حفظها وحفظكم الله . . دافعوا عنها صفا لا يفرّقه أحد وعلما لا يدنس أبدا أبدا . . أحبتي . . أنعي نفسي بنفسي، متصالحا مع الموت والرحيل . . فهو سنة الحياة والوجود، فلا يخلّد عليها إلا الكريم الودود . . أودع الشوق والكد والتعب . . أرتب ذكرياتي ودعائي أن تبْ علينا يا الله وإحسن مثوانا آمين آمين. ( الراحل إلى جوار الغفور الرحيم . . العلي العظيم . . العميد الركن المتقاعد قوات خاصة، حسين عقله عمير العموش . . تنقل بتصرف من أبنائي إليكم . . إنا لله وإنا إليه راجعون ). التاريخ : 24 / 9 / 2017
مدار الساعة ـ نشر في 2017/09/26 الساعة 12:39