عن الأصالة الفلسفية للعربي

مدار الساعة ـ نشر في 2017/01/07 الساعة 00:53
ابراهيم العجلوني

كان مما ذهب اليه الدكتور زكي مبارك في كتابه المعروف «النثر الفني في القرن الرابع»: أن الفلاسفة المتفوقين من العرب «هم الرجال الذين بنوا فلسفتهم على أساس من العقلية العربية، وكان اتصالهم بالفلسفة اليونانية اتصال ثقافة لا اتصال نقل ومحاكاة، وأن ابن رُشد والغزالي ابتدءا من نقطة مفهومة هي النفس العربية او الاسلامية، ثم مضيا يتعقبان ما يقضي به العقل او ما يوحي به الدين، واستطاعا بذلك ان يخلقا الحماسة للفلسفة في البيئات الاسلامية». وإن من يتأمل هذا الذي يذهب اليه زكي مبارك يخلص منه الى تماهي العروبة بالاسلام من جهة والى ان ما يوحي به الدين وما يقضي به العقل سواء من جهة اخرى، وهما امران نملك ان نتمثل عليهما اليوم بالفيلسوف العربي المغربي الدكتور طه عبدالرحمن الذي كان اتصاله بالفلسفة الغربية اتصالا مباشرا في قديمها وحديثها مع قدرة ظاهرة على نقدها انطلاقا من روح الاسلام وتعاليمه.

لقد توافق الامام الغزالي والدكتور عماد عبدالرحمن على مشروعية انطلاق الفيلسوف المسلم من اصوله الدينية واللغوية، وعلى حقه في الاختلاف مع فلسفات الغرب قديمها وحديثها، وعلى قدرة الاسلام على ترشيد هذه الفلسفات وتسديد مناهجها، وكما كان ابو حامد حجّة الاسلام ومجدّد عصره فإن «طه عبدالرحمن» هو مجدّد عصرنا هذا وحجّة الاسلام فيه، ولعله ان يكون مجدّداً للنظر الفلسفي وطرائقه في اوروبا نفسها، وما ذلك في اعتقادنا إلاّ لانه ابتدأ من تلك النقطة المفهومة التي أشار اليها زكي مبارك وهي النفس العربية الاسلامية، مع توكيد ان الوحي «فوق العقل» لا «ضد العقل» وأن للانسان وعياً كونيّاً أبعد مدى في تراحب آفاقه المعرفية في الوقت الذي يكون فيه أقرب رحما من فطرته، وهي الفكرة نفسها التي بسطها عباس محمود العقاد في عددٍ من مؤلفاته.

إنّ دعوى الاوروبيين بفوزهم بقصب السبق الفلسفي، فيما سُمي قديماً بالمعجزة الإغريقية، وفيما يسمى حديثاً بالمركزية الاوروبية، هي دعوى داحضة يمكن دفعها بأيسر سبيل وبمجرد ان يستقل التأريخ الفلسفي والحضاري عن تحكمات الاستعمار ومقرراته، كما أنّ محاصرة الاسلام المستمرة منذ قرون، وما يُنفق في ذلك من أموال طائلة وجهود متطاولة، كل ذلك وما يكون له من مَدَدٍ بَعدُ، لن يطفئ نور هذا الدين الذي جاء رحمة للعالمين، وإن مما نحن منه على أتمّ يقين أن حكماء الغرب المبرّأين من نزغات المستشرقين ومن تهاويل المؤسسات اللاهوتية مثل اشبنجلر وجوته وبرناردشو وليوبولد فايس، وحتى مثل فردريك ينتشه، كانوا يستشعرون حاجة اوروبا الى الاسلام او الى المدنية التي يبنيها «رجال أحرار» كما جاء في وصف هذا الاخير لحضارة الأندلس.

إنّ ما ينفقه المكر الاستعماري في دفع نور الاسلام عن العالم، او تأخير استئناف حضوره الحضاري، سيكون حسرةً عليه، وسيأتيه الاسلام من حيث لا يحتسب نوراً هادياً، ورحمة للبائسين، وسلاماً حقيقياً (قائماً في شروطه وعلى أُصوله) للعالمين.

ولقد بدأت بوادر كشف الغطاء عن أعين الشعوب، وأوّل ذلك نُخَبها، فأخذت الأبصار تعشو الى الاسلام، وكثر المشتغلون (بنزاهة وهاجس معرفي أصيل) بدراسته، وبدراسة اللغة التي تنزّل بها، وإن مما نحدسُ به ان العربية الشريفة (لغة القرآن) ستكون هي اللغة الاولى في العالم مع بدايات القرن القادم، وأننا (نحن العرب) مدعوون الى أن نكون كِفاءَ ما يلقيه علينا ذلك من تبعات او أن نكون أهلاً لهذا الشرف العظيم الذين نحن به مخصوصون. الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/01/07 الساعة 00:53