في رحاب الهجرة النبوية «1»
مدار الساعة ـ نشر في 2017/09/20 الساعة 00:48
الهجرة تؤسس لثقافة المواطنة ودولتها
تأتي ذكرى الهجرة النبوية هذا العام في ظل حديث متصاعد عن ثقافة المواطنة التي هي أساس دولة المواطنة، وهذا مصطلح يلتقي في معناه مع مصطلح الدولة المدنية، ومع مصطلح دولة القانون، وهي مصطلحات تدل على مفاهيم يعتقد الكثيرون أنها حديثة، أفرزتها الحضارة الغربية، وتطور الديمقراطية فيها، وهو اعتقاد يجانبه الصواب، لأن المتأمل المحايد سيكتشف دون كبير عناء أن دولة المدينة التي كانت أول ثمرات الهجرة النبوية, التي نحي ذكراها هذه الأيام كانت سباقة في إرساء هذه المفاهيم وتجسيدها واقعاً معاشاً في حياة الناس اليومية.
فالمتأمل في تجربة الدولة التي بناها رسول الله محمد عليه السلام، فور وصوله مهاجراً إلى يثرب، سيجد أنها دولة تقوم على أساس المواطنة، وسيادة القانون، تجسيد للمبادئ والثقافة التي كان يبشر بهما عليه السلام، فأصل الدين قيم وقناعات تنعكس سلوكاً، على قاعدة الدين المعاملة، وهذا هو مفهوم الثقافة في بعض تعريفاتها. هذا في الجوهر، وإن كان التعبير عن هذا الجوهر قد تم بمصطلحات غير المصطلحات الدارجة في هذه الأيام.
لقد أقام رسول الله دولة المدينة المنورة على أساس المساواة بين الناس جميعاً، وهذا أساس من أسس الاعتقاد في الإسلام «إنا خلقناكم من ذكر وأنثى, وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا» وهذا الأساس من أسس الاعتقاد الإسلامي، يجسد معنيين من معاني ثقافة المواطنة، هما معنى المساواة بين الناس دون التفريق بينهم على أساس الدين أو اللون أو العرق, على اعتبار أن أصل وجودهم واحد، وأن الهدف من هذا الوجود هو التعاون, الذي لا يتم إلا في إطار روح الجماعة والتكافل، وهذا مكون رئيس من مكونات المواطنة وثقافتها.
وهذه المساواة التي تمت في دولة المدينة والتي تجسد ثقافة المواطنة, لم تكن أمراً نظريا, بل كانت واقعاً عملياً يعيشه الناس في تفاصيل حياتهم اليومية, على قاعدة « والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمداً يدها «وعلى قاعدة « الضعيف فيكم قوي عندي, حتى أرجع إليه حقه, والقوي فيكم ضعيف عندي حتى أخذ الحق منه», أي أن الناس أمام القانون سواء, ولا سبيل إلى الواسطة والمحسوبية وهذه من أهم مكونات ثقافة المواطنة, ودولتها التي هي دولة سيادة القانون.
ومثلما تقوم المواطنة على المساواة, وعلى سيادة القانون, وعلى تكافؤ الفرص, فإنها تقوم على التوازن بين الحق والواجب, على قاعدة «لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت», وهذا أساس آخر من أسس الاعتقاد الإسلامي الذي يعزز ثقافة المواطنة.
مؤشراً آخر يؤكد أن الدولة, التي أقامها رسول الله في المدينة المنورة, لم تكن دولة دينية, بالمفهوم المعروف للدولة الدينية, كما انتشر في أوروبا, لكنها كانت دولة مدنية, كفلت لمواطنيها حرية الاعتقاد, على قاعدة «لا إكراه في الدين» وعلى قاعدة « لكم دينكم ولي دين» كما أنها دولة قامت على التعددية بكل أنواعها, ابتداء من التعددية الدينية حيث كان في المدينة المسلم والكافر والمنافق واليهودي والمسيحي, ولم يجبر أحد منهم على دخول الإسلام, أو يحرم من ممارسة طقوسه الدينية أو تقاليده الثقافية.
نتج عن التعددية الدينية في دولة المدينة تعددية ثقافية, فالدين مصدر أساس من مصادر الثقافة, والقارئ المتفحص لوثيقة المدينة المنورة, وهي أول دستور مدني وضع في التاريخ, أي أول دستور وضع أساس المواطنة, سيجد أن الوثيقة كفلت التعددية الثقافية, التي قامت عليها دولة المدينة المنورة, تماماً مثلما قامت على التعددية العرقية,»بلال سابق الحبش وصهيب سابق الروم وسلمان سابق الفرس», وهي تعددية صهرت الجميع في بوتقة واحدة هي بوتقة المواطنة التي جعلت سيداً من سادة العرب مثل أبي بكر الصديق ينادي عبداً حبشياً حرره بقوله سيدنا بلال. لكن شرط هذه التعددية أن يكون ولائها للوطن, فلا تخونه ولا توالي غيره, أي أن التعددية لا تحيز ازدواجية الولاء السياسي. وهذا شرط أساسي من شروط دولة المواطنة التي أقامها رسول الله في يثرب بعد هجرته عليه السلام إليها وللحديث بقية. الرأي
تأتي ذكرى الهجرة النبوية هذا العام في ظل حديث متصاعد عن ثقافة المواطنة التي هي أساس دولة المواطنة، وهذا مصطلح يلتقي في معناه مع مصطلح الدولة المدنية، ومع مصطلح دولة القانون، وهي مصطلحات تدل على مفاهيم يعتقد الكثيرون أنها حديثة، أفرزتها الحضارة الغربية، وتطور الديمقراطية فيها، وهو اعتقاد يجانبه الصواب، لأن المتأمل المحايد سيكتشف دون كبير عناء أن دولة المدينة التي كانت أول ثمرات الهجرة النبوية, التي نحي ذكراها هذه الأيام كانت سباقة في إرساء هذه المفاهيم وتجسيدها واقعاً معاشاً في حياة الناس اليومية.
فالمتأمل في تجربة الدولة التي بناها رسول الله محمد عليه السلام، فور وصوله مهاجراً إلى يثرب، سيجد أنها دولة تقوم على أساس المواطنة، وسيادة القانون، تجسيد للمبادئ والثقافة التي كان يبشر بهما عليه السلام، فأصل الدين قيم وقناعات تنعكس سلوكاً، على قاعدة الدين المعاملة، وهذا هو مفهوم الثقافة في بعض تعريفاتها. هذا في الجوهر، وإن كان التعبير عن هذا الجوهر قد تم بمصطلحات غير المصطلحات الدارجة في هذه الأيام.
لقد أقام رسول الله دولة المدينة المنورة على أساس المساواة بين الناس جميعاً، وهذا أساس من أسس الاعتقاد في الإسلام «إنا خلقناكم من ذكر وأنثى, وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا» وهذا الأساس من أسس الاعتقاد الإسلامي، يجسد معنيين من معاني ثقافة المواطنة، هما معنى المساواة بين الناس دون التفريق بينهم على أساس الدين أو اللون أو العرق, على اعتبار أن أصل وجودهم واحد، وأن الهدف من هذا الوجود هو التعاون, الذي لا يتم إلا في إطار روح الجماعة والتكافل، وهذا مكون رئيس من مكونات المواطنة وثقافتها.
وهذه المساواة التي تمت في دولة المدينة والتي تجسد ثقافة المواطنة, لم تكن أمراً نظريا, بل كانت واقعاً عملياً يعيشه الناس في تفاصيل حياتهم اليومية, على قاعدة « والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمداً يدها «وعلى قاعدة « الضعيف فيكم قوي عندي, حتى أرجع إليه حقه, والقوي فيكم ضعيف عندي حتى أخذ الحق منه», أي أن الناس أمام القانون سواء, ولا سبيل إلى الواسطة والمحسوبية وهذه من أهم مكونات ثقافة المواطنة, ودولتها التي هي دولة سيادة القانون.
ومثلما تقوم المواطنة على المساواة, وعلى سيادة القانون, وعلى تكافؤ الفرص, فإنها تقوم على التوازن بين الحق والواجب, على قاعدة «لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت», وهذا أساس آخر من أسس الاعتقاد الإسلامي الذي يعزز ثقافة المواطنة.
مؤشراً آخر يؤكد أن الدولة, التي أقامها رسول الله في المدينة المنورة, لم تكن دولة دينية, بالمفهوم المعروف للدولة الدينية, كما انتشر في أوروبا, لكنها كانت دولة مدنية, كفلت لمواطنيها حرية الاعتقاد, على قاعدة «لا إكراه في الدين» وعلى قاعدة « لكم دينكم ولي دين» كما أنها دولة قامت على التعددية بكل أنواعها, ابتداء من التعددية الدينية حيث كان في المدينة المسلم والكافر والمنافق واليهودي والمسيحي, ولم يجبر أحد منهم على دخول الإسلام, أو يحرم من ممارسة طقوسه الدينية أو تقاليده الثقافية.
نتج عن التعددية الدينية في دولة المدينة تعددية ثقافية, فالدين مصدر أساس من مصادر الثقافة, والقارئ المتفحص لوثيقة المدينة المنورة, وهي أول دستور مدني وضع في التاريخ, أي أول دستور وضع أساس المواطنة, سيجد أن الوثيقة كفلت التعددية الثقافية, التي قامت عليها دولة المدينة المنورة, تماماً مثلما قامت على التعددية العرقية,»بلال سابق الحبش وصهيب سابق الروم وسلمان سابق الفرس», وهي تعددية صهرت الجميع في بوتقة واحدة هي بوتقة المواطنة التي جعلت سيداً من سادة العرب مثل أبي بكر الصديق ينادي عبداً حبشياً حرره بقوله سيدنا بلال. لكن شرط هذه التعددية أن يكون ولائها للوطن, فلا تخونه ولا توالي غيره, أي أن التعددية لا تحيز ازدواجية الولاء السياسي. وهذا شرط أساسي من شروط دولة المواطنة التي أقامها رسول الله في يثرب بعد هجرته عليه السلام إليها وللحديث بقية. الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/09/20 الساعة 00:48