في الطريق إلى الجنوب

مدار الساعة ـ نشر في 2017/09/19 الساعة 13:07
في الرحلة الأولى للجنوب ، ولسيدة مدنها الكرك ، كانت الحافلة متعبة ، وشريط أغاني محمد عبده يحاول التخفيف من عصبية السائق ، والطريق طويلة والعينان تتابعان المساحات القاسية من البلاد ، يمل الكلام مع رفيق الدرب والطريق لا تنتهي ...!! عدت اليوم إلى الطريق ذاتها، إلى الجنوب، وربما في الحافلة نفسها ، لم يرافقنا صوت محمد عبده ربما هو أيضا هرم مثلنا ، ثمة المساحات نفسها من الصحراء القاسية ، وثمة وجع وشكوى أن هذي البلاد كما هي، آلاف من شباب الجنوب عبروا الطريق الصحراوي وخرجوا من قراهم المنسية، تلك القرى الفقيرة من كل شيء إلا من الطيب والمروءة والشهامة، خرجوا مع الصباحات الندية قاصدين عمان، وحاملين أحلامهم لعل العاصمة تفتح لهم متسعا وتحقق بعضا منها. كم أريقت من دماء على جانبي الإسفلت الممتد في بطن هذي الصحاري، لم تكن معركة أو ذودا عن وطن يغزا، أو واقعة مع عدو، لكن ذهبت الدماء ومعها أرواح غضى ، وأحلام شباب بعمر الورد لقاء حوادث سير، في طريق متهالك يبتلع سنويا المئات من أبنائه. منذ أكثر من عشرين عاما، ومنذ أن كنت طالبا في جامعة مؤتة بداية التسعينات، البلاد كما هي، الطرق، وجوه الناس.. ربما فشلت كل خطط الحكومات أن ترفع من مستويات التنمية ، أن تكافح الفقر الذي يتسع ، أن تفتح مصنعا واحدا لتساعد الناس ، أن تقنع طفلا واحدا أن الحكومات ما زالت تهتم بوجع الجنوب والقرى المهمشة ، والأطراف التي تزداد بعدا عن المركز. "الأردن ليس عمان" تسمعها من سكان هذي البوادي ، تعبوا من نقل مرضاهم لعمان، ومات بعضهم قبل أن يصل للعلاج، وتعبوا من الركض بين الوزارات، وضاعت معاملاتهم قبل أن تصل مكتب "معاليه" ....! الذين حموا عمان هم أبناء القرى والبوادي ، " الأقل حظا " ، وأبناء " الجيوب الأشد فقرا "، أبناء محافظات " الأطراف المهمشة " ، " الأقل تنمية " والأشد وجعا ، هم هؤلاء الذين دافعوا عن شوارعها ، وقدموا أرواحهم رخيصة لتظل عمان سيدة المدن والكبرياء ، في الطريق إلى الجنوب ثمة ذكريات لم تغادر ذاكرتنا، وواقع قاسٍ كان ومازال كما هو ....!
  • الكرك
  • شباب
  • عمان
  • حوادث
  • مؤتة
  • الأردن
مدار الساعة ـ نشر في 2017/09/19 الساعة 13:07