خادش للحياء أم للحياة؟

مدار الساعة ـ نشر في 2017/09/13 الساعة 00:10

-1-
تشتعل الكرة الأرضية ببؤر ملتهبة، طبيعية وأخرى من صنع البشر، حجم التدفق الإخباري الذي يضرب رأس المتابع أشبه ما يكون بتسونامي رهيب، يتركك –إن تركك!- وقد شعرت بدوار، أين منه ذلك الدوار الذي يشعر به متصوف مؤمن بسمو الروح ودورانها على إيقاع موسيقى الدفوف، بعد أن يتناول الصحب الطعام، يبدأ النقاش وتجاذب أطراف الحديث، وتكثر التنبؤات وما تيسر من نميمة الصالونات السياسية، والتسريبات المُطيَّبة بكثير من البهارات، وحين يتعبون من السياسة وأرقام الاقتصاد، يبدأ الهم الحقيقي، الشخصي الخاص، والاجتماعي العام، وتذهل إلى حد الفجيعة حينما تشف الاعترافات، فتكتشف أن كل الرجال الوقورين الجالسين حول الطاولة يشتركون في هم واحد، غالبا ما يخجلون من الإفصاح عنه، إلا بعد أن يعلق أحدهم الجرس، وبعد ساعات طويلة من «الصفنات» واللف والدوران حول «الهم العام»!
-2-
في الجلسات «النسائية» البحتة يندر أن يغيب هذا الموضوع أيضا، سواء ببوح ثنائي أو حديث عام، وقد يتخذ شكل رواية النكات التي تصنف باعتبارها «وقحة» ويكفي ما يصلنا نحن الذكور من «تسريبات» عفوية من جلسات «الحريم» للحكم على وجود مشكلة متجذرة في حياة شرقنا العظيم، هذه المشكلة ربما تكون أكبر حجما من كل مشكلاتنا الأخرى، بل لأنها كبيرة جدا تكاد لا تُرى، تحت ضغط قيود مجتمعية وأخلاقية كثيرة، لا حاجة للتأكيد على وجودها، لأنها تتجلى في غير موقف ومشهد وقصة بقوة!
-3-
النقطة المركزية في المشهد، بشقيه الذكوري والأنثوي، هو اختلاط الدين بالعرف والعادات الاجتماعية، فثمة صعوبة أسطورية في تبين الخط الفاصل بين ما هو دين وبين ما هو عادات، كاختلاط اللحم بالعظم، قلة من الناس من نجوم المجتمع والدين يجرؤون على الحديث في هذا الموضوع، إما باعتباره «خادشا للحياء» أو لصعوبة تجنب التعرق واحمرار الأذنين حينما يفتح ملف العلاقة التي يسمونها «حميمة» بين الأنثى والذكر، الغريب في المشهد حد الفجيعة، أن عالم الحيوان لا يعاني البتة من هذه المشكلة، فلديه قوانينه الخاصة المودعة في فطرته، وليس لديه أي عقد فردية أو جماعية حيال هذا الموضوع، وهو أمر محروم منه الإنسان على نحو مفجع، تحت ضغط الوعي والعرف والدين، وهي أمور معفي منها عالم الحيوان، وفي المحصلة، فذاك العالم وإن اختلفت التوصيفات والتقويمات يتمتع بأفضلية على عالم الإنسان، كونه محكوما بغريزة هي ما تحدد سلوكه، فيما يحتكم الإنسان لأكثر من اعتبار غير الغريزة، وإن كانت جزءا من منظومة «القوانين» الناظمة للعلاقة «الحميمة»!
-4-
منذ سنوات وأنا أكتب في هذا الموضوع، حتى تجمع لدي «ملف» كبير جدا، كلما هممت بإخراجه بين دفتي كتاب، شعرت بوهن مفاجىء و»خوف» من أن «أفجر الدمل» المؤلم، ولكنني أخيرا بت على قناعة تامة أن الوقت أزف لأن «أفعلها» لاعتقادي الجازم الذي يشاركني فيها ملايين من أبناء الشرق، أن حل جل مشكلاتنا السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية والأمنية، مرتبط بحل مشكلات العلاقة الحميمة، وكيفية تصويب مسارها، بحيث تصبح رافدا حقيقيا للياقة النفسية لنا، لا سببا لعرقلة نشاطنا البشري السوي، وبالتالي تجعلنا أقرب ما نكون للتحرر مما يثقل أمننا الشخصي والمجتمعي، ويعيدنا إلى دائرة البشر الأسوياء الخالين من العقد و»الكعاكيل» الروحية، بتعبير أهلنا في بلاد النيل!
تجنب الحوار الذي يُدّعى أنه خادش للحياء، هو خدش مباشر للحياة، في صورتها الصحية النقية التي أرادها الله لنا نحن الذين كرمنا بأن جعلنا بشرا!

الدستور

مدار الساعة ـ نشر في 2017/09/13 الساعة 00:10