إيضاحات من دائرة قاضي القضاة

مدار الساعة ـ نشر في 2017/09/10 الساعة 00:05

أكرمني سماحة الشيح عبد الكريم خصاونة قاضي القضاة بمكالمة هاتفية أثلجت صدري، زادت ما بيني وبينه من ود قديم، تعقيبا على مقالي هنا حول بعض القضايا الخاصة بالميراث وحقوق القاصرين، وأعقبها بإرسال إيضاحات في غاية الأهمية حول هذا الموضوع، يسرني أن أنشرها كاملة هنا..

إشارة الى مقالكم المنشور في صحيفة الدستور الغراء بتاريخ 27/8/2017 بعنوان (بين يدي قاضي القضاة) فبداية نود أن نتقدم بالشكر لسعادتكم على اهتمامكم بقضايا المواطنين واضطلاعكم بها تحقيقا للنفع العام وبهذه المناسبة وبناء على ما تم طرحه في مقالكم المذكور فإننا في دائرة قاضي القضاة نرغب في ان نوضح ومن خلالكم للسادة القراء والمهتمين الاجراءات المتبعة في التعامل مع أموال القاصرين الموروثة من عقارات ومركبات ونحوها :

أولا : إن جميع الاجراءات التي تتخذ في التعامل مع اموال القاصرين سواء المنقولة وغير المنقولة هدفها بالدرجة الاولى المحافظة على اموال القاصرين ،هذه الفئة من الناس التي تحتاج الى الرعاية وفق اعلى المعايير وأكثرها دقة وتحوطا، وان النسق التشريعي العام في المملكة واضح في التشديد على تجلية المصلحة في كل ما يمس هذه الشريحة من المواطنين سواء في القضايا الحقوقية أو الجزائية.

ثانيا : ان القاصرين لا يملكون اتخاذ قرارات التصرف باموالهم الا من خلال الاولياء والاوصياء وبإذن من المحكمة الشرعية المختصة وموافقة قاضي القضاة على ذلك وهذه الاذونات لا تصدر الا بعد التحقق التام من وجود مصلحة واضحة للقاصر متوافقة مع المعايير التي حددتها التشريعات النافذة لاستقرار المعاملات وكي لا تكون عرضة في المستقبل للطعن عليها أو لابطالها حماية لحقوق جميع أطراف هذه المعاملات وما ينشأ عن مثل هذه التصرفات من حقوق للغير.

ثالثا : إن معاملة بيع العقار الخاص بالقاصر أو الذي يملك حصة فيه لا تتم الا بعد تقدير ثمن العقار من قبل المحكمة بواسطة خبراء عقاريين متخصصين وبعد التدقيق في سعر الاساس لدى دائرة الاراضي والمساحة وبناء عليه فإن كان القاصر بحاجة الى المال النقدي للنفقة أو العلاج أو التعليم وليس لديه اموال نقدية لدى مؤسسة تنمية اموال الايتام فيتحقق في هذه الحالة الموجب للبيع للحاجة وبسعر المثل المقدر والذي يحتاط فيه لمصلحة القاصر وفق قناعة المحكمة، وقناعة اللجنة القضائية في مديرية التركات وشؤون القاصرين التي تدقق المعاملات بعد رفعها الى ديوان قاضي القضاة، وفي حال كان القاصر غير محتاج لبيع عقاره اما لعدم حاجته للنفقة لوجود معيل له أو لوجود أموال له يمكن الانفاق عليه منها ، فهنا لا يجوز قانونا بيع حصة القاصر في العقار فقط لمجرد رغبة الشركاء في البيع أو لمصلحتهم في ذلك بل لا بد من تحقق قاعدة (الخيرية) في الثمن وهو ان يعرض شخص شراء العقار بثمن يزيد على ثمن المثل بقدر بين وواضح تظهر فيه المصلحة بالبيع حيث لا مسوغ لبيع العقار بثمن المثل دون الحاجة لهذا الثمن في الوقت الحاضر، والعقار في الغالب هو اكثر نفعا للقاصر في المستقبل ومن هنا فالناس لا يفرقون بين هاتين الحالتين ويظنون أن الهدف هو فقط زيادة ثمن حصة القاصر.

رابعا : لا ضرر ولا ضرار قاعدة شرعية وقانونية متفق عليها ومرعية، ولذا لا يسمح القانون أن يمنع انسان من حقه وتمكينه من الانتفاع به ، وبناء عليه فان أصحاب الشان مخيرون بين اجراءات البيع المذكورة والتي تتم في حالة الرضا بين الشركاء على البيع وفق هذه الآلية أو في حال عدم التوافق على ذلك فإن القانون قد أعطى الشركاء أو أيا منهم الحق في التقدم للمحكمة النظامية المختصة بطلب لإزالة الشيوع في العقار وفق أحكام القانون من خلال افرازه بينهم ان امكن ذلك أو بيعه بواسطة المحكمة ليأخذ كل واحد حقه في حصته من العقار.

خامسا : من المهم جدا توعية المواطنين بكيفية التعامل مع المال الموروث والاليات القانونية المتعددة لقسمته بين الورثة وعلى رأس ذلك التوعية بمسائل التخارج في التركة والتي تعتبر طريقا مهما لقسمة هذا المال ، طريق يختصر الوقت والجهد والكلف على الورثة ، ولا نعني بالتخارج كما يظن كثير من الناس انه التنازل عن الحصة الارثية، بل من خلال التخارج امام المحكمة الشرعية يستطيع الورثة اقتسام اموال التركة وخاصة العقارات بحيث يختص كل وريث بعقار معين أو بتجميع عدد منهم في عقار وآخرين في عقار آخر وهكذا دون اللجوء الى تنزيل اسمائهم في سندات التسجيل بحصص صغيرة في كل العقارات ومن ثم اللجوء لبيع هذه الحصص لعدم الاستفادة منها ، وتتم معاملة التخارج بكل يسر بعد اتفاق الورثة الراشدين على ذلك ، واذا كان بين الورثة قاصرون فيقوم الولي او الوصي بالتقدم للمحكمة الشرعية بطلب الحصول على اذن بالتخارج فتقدر المحكمة عقارات التركة وأموالها ومن خلال الخبراء ويتم تخصيص جزء من التركة للقاصرين على وجه الاستقلال ما امكن ، ويكون للراشدين اجزاء مستقلة عن مال القاصرين مما يمكنهم من التصرف بحصصهم بعد ذلك على الوجه الذي يرضيهم ويشترط في معاملات التخارج التقدم بها للمحكمة الشرعية ما دامت العقارات والمركبات باسم المورث المتوفى وقبل نقلها الى اسماء الورثة، والا خرجت عن وصفها تركة وصارت مالا مشتركا لا يتم التصرف به الا من خلال البيع لدى دوائر التسجيل المختصة .

سادسا : ان الانفاق على اليتيم من ماله أمر متاح وميسور وغير محدد المقدار باربعين دينارا فقط كما ورد على لسان البعض في المقال، بل ان حجة الوصاية تمكن الوصي من تسلم راتب القاصر المخصص له من اي جهة ان وجد مهما بلغت قيمته، بشرط انفاقه على اليتيم للمحافظة على المستوى المعيشي الذي كان يعيشه اليتيم في حياة والده وما سوى الرواتب يتم السحب منها بموافقة المحكمة وبحسب احتياجات اليتيم سواء لتعليمه او علاجه او نفقاته الطارئة وبالتناسب مع حجم امواله المدخرة لدى مؤسسة تنمية أموال الايتام وكل ذلك مثبت في سجلات وقرارات المحاكم الشرعية ويتم التعامل معه بشكل يومي .

سابعا : ان مؤسسة تنمية أموال الايتام مؤسسة وطنية سامية في اهدافها وغاياتها وهي متميزة على المستوى الوطني وعلى المستوى الاقليمي حيث تنبه الاردن مبكرا الى ضرورة الحفاظ على اموال الايتام واستثمارها وتنميتها فأنشأ هذه المؤسسة الرسمية بقانون لترعى هذه الاموال وتحافظ عليها، وان المحاكم الشرعية عند ضبطها للتركات وفور الانتهاء من اجراءات الضبط تقوم على الفور بتحويل ما يخص الايتام من التركة الى هذه المؤسسة التي تقوم بفتح حساب خاص لكل يتيم، وتستثمر هذه الاموال وتوزع عليهم عوائد هذا الاستثمار بشكل دوري ويضاف الى راس المال وهكذا، وعند بلوغ اليتيم سن الرشد تسلم اليه امواله مع الارباح المتحققة لها ويمكن الاطلاع على انشطة المؤسسة وحجم استثماراتها والارباح التي توزعها من خلال البيانات المالية التي تعلن عنها.

ثامنا : ان دائرة قاضي القضاة تقوم حاليا باعادة هندسة اجراءات الخدمات التي تقدمها مستفيدة من برنامج التحول الالكتروني واتمتت الخدمات وتسعى جاهدة الى تبسيط الاجراءات من خلال الربط الالكتروني مع الجهات ذات العلاقة والشركاء في تقديم الخدمة لتجنب المواطن عناء التنقل بين هذه الجهات وبحيث تكون المعلومات المطلوبة للمعاملة متوافرة على الانظمة المحوسبة في المحاكم الشرعية ودون الحاجة الى طلبها من متلقي الخدمة بشكل مباشر ، وكذلك تعمل الدائرة حاليا على توسيع نطاق العمل باليات الدفع والقبض الالكترونية وغيرها من الاجراءات الجديدة التي لا يتسع المجال لذكرها في هذا التوضيح .

سعادة الاستاذ حلمي الاسمر المحترم

ان القضايا التي اثيرت في مقالكم متعددة واقتضى الامر توضيحها وبيانها ولثقتنا بطرحكم الذي يبتغي الحقيقة آثرنا أن يكون التوضيح من خلالكم مباشرة وليس من خلال حق الرد المتاح لنا، وكلنا ثقة في ان يصل هذا التوضيح الى السادة القراء سواء في مقال واحد أو اكثر حسب مقتضى الحال والمساحة التي قد تكون متاحة لذلك مؤكدين شكرنا لكم . وتفضلوا بقبول الاحترام.

الدستور

مدار الساعة ـ نشر في 2017/09/10 الساعة 00:05