العدوان يكتب: الاستراتيجية في غير موضعها
مدار الساعة ـ نشر في 2017/09/09 الساعة 20:19
مدار الساعة - كتب: الباشا موسى العدوان
من المعروف أن كلمة " إستراتيجية " هي اصطلاح عسكري، جرى اشتقاقها من كلمة (ستراتيجوس)، أي فنون القادة وممارساتهم في إدارة الحروب، وأول من استخدمها هم اليونانيون. ويمكن تعريفها بأنها فن تطوير واستخدام عناصر قوة الدولة، لخلق موقف ملائم، واستغلاله بشكل يضمن زيادة احتمالات النجاح ومضاعفة نتائجه.
وعندما جاء ميكافيلي ( 1469 – 1527 ) أعطى لهذا المصطلح معنى أوسع من اقتصاره على النواحي العسكرية، وذلك من خلال ربط الفكر العسكري مع الفكر المدني في إدارة شؤون الدولة، لتشمل النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
كثر استخدام هذا المصطلح من قبل المسؤولين الأردنيين في العقدين الأخيرين، فأصبحنا نسمع عن إستراتيجيات متعددة : اقتصادية، تجارية، صناعية، زراعية، سياحية، استثمارية، تعليمية، توظيفية، مكافحة الفقر، تخفيض البطالة، مكافحة الفساد، وغيرها من الإستراتيجيات التي راحت تُطلق على أي عمل يقوم به موظف مهما كان بسيطا، لإحاطته بهالة من التضخيم والمفاخرة.
وعند التمعن في الأدبيات الأمريكية مثلا، نجد أن الفكر الاستراتيجي، يستخدم ثلاث كلمات بسيطة، تشكل الإطار العام للتخطيط الاستراتيجي العسكري والمدني. وهذه الكلمات هي: ( Ends , Means , And Ways ) وتعني الأهداف، المصادر، والأساليب، ولا يتسع المجال لشرحها في هذه العجالة.
لقد أتحفنا جهابذة الاقتصاد في حكوماتنا المتعاقبة منذ عقدين سابقين، بالكثير مما أسموها خططا إستراتيجية، كلفت مبالغ باهضة في تخطيطها وتنفيذها دون الاعتماد على قواعد واضحة، فكانت نتائجها سالبة، إذ لم يلمس المواطن أي أثر إيجابي على حياته المعيشية. وأستثني من ذلك إستراتيجية حكومية واحدة نجحت، وما زالت تواصل نجاحها بامتياز، ألا وهي : " إستراتيجية الجباية من جيوب المواطنين ".
ولا شك بأن رؤساء حكوماتنا المتعاقبة قد برعوا بهذه الإستراتيجية، واستحقوا التخليد في موسوعة جينيس للأرقام القياسية. والظاهر أن أهم مواصفة للرئيس المنوي تنصيبه فوق رأس الأمة، هي مهارته في ابتكار أساليب جديدة للجباية، حتى وإن كانت تسبب الشعور بالقلق العام أو تسحق المواطن الفقير.
يعلّمنا التاريخ بأن الدولة العثمانية في أواخر أيامها، وعندما أصبحت توصف بالرجل المريض، لجأت إلى فرض العديد من الضرائب على المواطنين الأردنيين، والتي كان أبرزها : ضريبة العشر على المزارعين، ضريبة المسقّفات والمعارف على أصحاب المباني، ضريبة الأغنام على من يملكها، ضريبة التمتع على أصحاب المهن، وضريبة المكلفين، والضريبة العسكرية وغيرها من الضرائب. فكانت هذه من أحد الأسباب التي دفعت المواطنين الأردنيين للثورة على الأتراك.
وهنا أتساءل : هل يعيد التاريخ نفسه رغم اختلاف الحكومات، بعد أن راحت حكوماتنا المتعاقبة تستنبط كل يوم ضريبة جديدة تضاف إلى سابقاتها ؟ وهل يعقل أن تلاحق الحكومة موظفيها العاملين والمتقاعدين، بدفع ضرائب على رواتبهم الهزيلة، بدلا من احتساب التضخم المعيشي وزيادته على رواتبهم ؟ هل من الحكمة تخفيض المبالغ المعفاة من الضريبة على المعيل وعلى الأعزب، وتلاحق المستأجر والمؤجر، لتقضم ما تبقى لهم من فتات مخصصاتهم، التي لا تكاد تفي بحاجاتهم المعيشية ومتطلبات المدارس لأطفالهم ؟
ثم أسأل الحكومة : هل المواطنون مسؤولون عن تغذية الدولة بالمال وسد عجز الموازنة، بعد أن باع تجار الأوطان أصولها ومصادر دخلها ؟ وهل تقصد الحكومة تهجير المواطنين من بلادهم، بعد أن تسببت بإغلاق أكثر من 1500 مصنع ( وطفّشت ) عددا كبيرا من المستثمرين المحليين والأجانب ؟ لم يبق على الحكومة إلا أن تفرض " ضريبة التنفس " على كل مواطن من أجل الإجهاز عليه. يقول علماء السياسة الغربيون : " إن تحقيق السعادة هو الهدف العام للدولة ". ويقول الفيلسوف العربي الفارابي : " أن خير الإنسان وسعادته هما هدف عام للدولة ". ولكن حكوماتنا – لا وفقها الله – قلبت هذه المعادلة واستخدمت معادلتها الخاصة التالية : " إن الشقاء والإحباط هما هدف الدولة ". والحقيقة أن الدولة أشبه بكيان يسير على ساقين هما الحُكم والشعب. فإن تسيد الحكم وأثقل على الشعب بفرض ضرائب مجحفة، والتضييق على المواطن في لقمة عيشه، يصبح الكيان كمن يمشي بساق واحدة، فاقدا لتوازنه وغير قادر على الصمود والبقاء. لا تعتقدوا أيها الأردنيون، أن الحكومة الحالية ستتراجع عن مشروعها الجبائي الجديد، ولا تعتقدوا أن برلمان الختم المطاطي سيرد هذا المشروع. بل أن كلاهما سيتظاهران بالعطف على الشعب المسالم مطبقين مقولة : أطلب الكثير لتحصل على القليل. وهكذا ستخرج الحكومة ببيان توفيقي يخفف قليلا من نسب الضرائب المقترحة، ويرفع المبالغ المعفاة من الضرائب بمبالغ زهيدة، لتتلقى بعدها الحكومة ومجلس النواب الشكر من الشعب، على هذا العطف الأبوي الرحيم. هذه الإستراتيجية غير الحكيمة لحكوماتنا السابقة واللاحقة، دمّرت الطبقة الاجتماعية الوسطى، والتي هي عماد المجتمع المتوازن. فلم تأخذ تلك الحكومات العبرة مما حصل لمجتمعات أخرى من خراب، كمحصّلة لمثل هذه السياسات الخرقاء. وهي غير مستعدة لاتباع نصيحة بسمارك زعيم ألمانيا السابق في مقولته : " الأغبياء يتعلمون من تجاربهم، أما الأذكياء فيتعلمون من تجارب الآخرين ".
وختاما أقول : لقد أصابنا الإحباط واليأس، وفقدنا الأمل باستراتيجيات الحكومات السابقة والحالية، التي تُطبخ في القاعات الفخمة، والمزروعة بالميكروفونات وأجهزة البور بوينت وكميرات التلفزيون، ثم تُقدم لنا بعدها وعودا متفائلة، لا تلبث أن تتبخر في الهواء مع مرور الزمن دون نتائج ملموسة. وأصبح الأمر معقودا عليكم أيها المواطنون لإسقاط هذا المشروع، الذي يحمل في ظاهره الرضوخ لإملاءات صندوق النقد الدولي، وفي باطنه الشقاء لكم ولأطفالكم. نرجوكم أيها المسؤولون الأكارم، أن ترحمونا بعدم عرض صور هذه الاجتماعات علينا، والابتعاد عن استخدام اصطلاح " الإستراتيجية " في خطاباتكم، بعد أن أخرجتموه عن سياقه، وأصبح يحمل معاني منفّرة لأذواقنا ومسامعنا.
ثم أسأل الحكومة : هل المواطنون مسؤولون عن تغذية الدولة بالمال وسد عجز الموازنة، بعد أن باع تجار الأوطان أصولها ومصادر دخلها ؟ وهل تقصد الحكومة تهجير المواطنين من بلادهم، بعد أن تسببت بإغلاق أكثر من 1500 مصنع ( وطفّشت ) عددا كبيرا من المستثمرين المحليين والأجانب ؟ لم يبق على الحكومة إلا أن تفرض " ضريبة التنفس " على كل مواطن من أجل الإجهاز عليه. يقول علماء السياسة الغربيون : " إن تحقيق السعادة هو الهدف العام للدولة ". ويقول الفيلسوف العربي الفارابي : " أن خير الإنسان وسعادته هما هدف عام للدولة ". ولكن حكوماتنا – لا وفقها الله – قلبت هذه المعادلة واستخدمت معادلتها الخاصة التالية : " إن الشقاء والإحباط هما هدف الدولة ". والحقيقة أن الدولة أشبه بكيان يسير على ساقين هما الحُكم والشعب. فإن تسيد الحكم وأثقل على الشعب بفرض ضرائب مجحفة، والتضييق على المواطن في لقمة عيشه، يصبح الكيان كمن يمشي بساق واحدة، فاقدا لتوازنه وغير قادر على الصمود والبقاء. لا تعتقدوا أيها الأردنيون، أن الحكومة الحالية ستتراجع عن مشروعها الجبائي الجديد، ولا تعتقدوا أن برلمان الختم المطاطي سيرد هذا المشروع. بل أن كلاهما سيتظاهران بالعطف على الشعب المسالم مطبقين مقولة : أطلب الكثير لتحصل على القليل. وهكذا ستخرج الحكومة ببيان توفيقي يخفف قليلا من نسب الضرائب المقترحة، ويرفع المبالغ المعفاة من الضرائب بمبالغ زهيدة، لتتلقى بعدها الحكومة ومجلس النواب الشكر من الشعب، على هذا العطف الأبوي الرحيم. هذه الإستراتيجية غير الحكيمة لحكوماتنا السابقة واللاحقة، دمّرت الطبقة الاجتماعية الوسطى، والتي هي عماد المجتمع المتوازن. فلم تأخذ تلك الحكومات العبرة مما حصل لمجتمعات أخرى من خراب، كمحصّلة لمثل هذه السياسات الخرقاء. وهي غير مستعدة لاتباع نصيحة بسمارك زعيم ألمانيا السابق في مقولته : " الأغبياء يتعلمون من تجاربهم، أما الأذكياء فيتعلمون من تجارب الآخرين ".
وختاما أقول : لقد أصابنا الإحباط واليأس، وفقدنا الأمل باستراتيجيات الحكومات السابقة والحالية، التي تُطبخ في القاعات الفخمة، والمزروعة بالميكروفونات وأجهزة البور بوينت وكميرات التلفزيون، ثم تُقدم لنا بعدها وعودا متفائلة، لا تلبث أن تتبخر في الهواء مع مرور الزمن دون نتائج ملموسة. وأصبح الأمر معقودا عليكم أيها المواطنون لإسقاط هذا المشروع، الذي يحمل في ظاهره الرضوخ لإملاءات صندوق النقد الدولي، وفي باطنه الشقاء لكم ولأطفالكم. نرجوكم أيها المسؤولون الأكارم، أن ترحمونا بعدم عرض صور هذه الاجتماعات علينا، والابتعاد عن استخدام اصطلاح " الإستراتيجية " في خطاباتكم، بعد أن أخرجتموه عن سياقه، وأصبح يحمل معاني منفّرة لأذواقنا ومسامعنا.
مدار الساعة ـ نشر في 2017/09/09 الساعة 20:19