نحن والعراق
مدار الساعة ـ نشر في 2017/01/04 الساعة 01:45
بلال حسن التل
لم تحجب الأدخنة التي لوثت بها أجواءنا العملية الإرهابية في الكرك وما حولها،الرؤية عن اشتداد الحراك بين عمان وبغداد ودلالاته، فأثناء الشهر الأخير من العام الماضي زار الأردن الكثير من الوفود العراقية، كان أبرزها على التوالي زيارة عمار الحكيم رئيس إحدى أكبر الكتل البرلمانية في مجلس النواب على رأس وفد عالي المستوى، يمثل الإئتلاف العراقي الموحد، والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي، ويمثل المكون الشيعي العراقي أو غالبيته على وجه العموم، وقد حظى الحكيم ببرنامج حافل وبحفاوة تليق به، فاستقبله جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وفي أثناء هذه الزيارة قال الحكيم الكثير عن العلاقات الأردنية العراقية، وكيف أن الأردن كان في كل العهود الرئة التي يتنفس منها العراق، معلناً أنه طلب من جلالة الملك عبدالله الثاني بما يمثله من ثقل عربي ودولي من جهة، ومن ثقل أدبي من جهة ثانية بضرورة أن يتدخل جلالته لإعادة اللحمة للبيت العراقي، الذي مزقته الإحن والمحن، خاصة وأن الأردن سيرأس اعتباراً من آذار القادم مؤتمر القمة العربية، مما يضيف بُعداً آخر للأبعاد التي يمثلها جلالة الملك الذي هو في عرف الأغلبية الساحقة من المسلمين عميد آل البيت، الذين يتنافس المسلمون على اختلاف مذاهبهم وأعراقهم على حبهم، والولاء لهم. وقد قيل في ذلك «أن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش».
بعد زيارة الحكيم بفترة وجيزة استقبل جلاله الملك عبدالله الثاني كلا من نائب الرئيس العراقي أسامة النجفي و صالح المطلك نائب رئيس الوزراء العراقي و سليم الجبوري رئيس البرلمان العراقي، أي أن جلالته استقبل زعماء وقادة المكون السني العراقي، مثلما استقبل في ذات اليوم إياد علاوي رئيس الوزراء العراقي الأسبق وزعيم أحد أكبر الكتل النيابية والأجنحة الرئيسية للمكون الشيعي للشعب العراقي الشقيق، وبهذا يكون العراقيون في غالبيتهم الساحقة يرون في جلالته محط أمل ورجاء للخروج بالعراق من الحالة التي وصل إليها وأنهكته وأنهكت أمته معه، وفي الطليعة منها نحن في الأردن الذين ظل العراق محوراً أساسياً من محاور فكرنا السياسي، وظل البحث عن صيغة من صيغ التكامل أو الوحدة مع العراق هدفاً سعى إليه الأردنيون مبكراً، لأنهم يؤمنون بضرورة وحدة الأمة وتكامل أقطارها خاصة المتجاورة منها، كما هو الحال بين الأردن والعراق، ومن منطلق الإيمان بأنه لا غنى للعراق عن الأردن ولا للأردن عن العراق، وقد جاءت أحداث نهاية القرن الماضي وبداية هذا القرن لتؤكد هذه الحقيقة، ولتؤكد صدق الرؤية التي تمتع بها الآباء المؤسسون للدولتين الحديثتين في الأردن والعراق، والذين سعوا دائما إلى إيجاد صيغ تكامل ووحدة بينهما على طريق تحقيق الوحدة الشاملة، التي شكلت جزءا رئيساً من الفكر السياسي لأبناء العراق والأردن، وهدفاً دائماً لهم يسعون إلى تحقيقه، كلما أتيحت لهم فرصة، وعرضت عليهم صيغة من صيغ الوحدة، وفي هذا الإطار جاءت فكرة الهلال الخصيب التي بنيت على أساس تلبية أشواق أبناء هذه المنطقة باستعادة وحدة سوريا الطبيعية «فلسطين والأردن وسوريا ولبنان»، وتكاملها مع العراق، وهو الهلال الذي شكل على مدار التاريخ مهد الحضارات والنبوات، وقدم للبشرية أروع وأوضح صور التعددية الدينية والعرقية والثقافية، ومثل فكرة الهلال الخصيب كانت فكرة حلف بغداد وقبلها معاهدة الأخوة بين الأردن والعراق التي وقعت عام 1947،ثم الاتحاد العربي الهاشمي، ثم مجلس التعاون العربي الذي ضم مصر بالإضافة إلى الأردن والعراق، وكلها صيغ تترجم شوق الأردنيين والعراقيين إلى الوحدة والتكامل، ولاغرابة في ذلك فما يجمع البلدان كثير أوله هذا التداخل والتشابك العشائري الذي غذته المصاهرات المستمرة بين الطرفين، وقد سهل أمر هذا التداخل في الأنساب والمصاهرة التماثل الاجتماعي خاصة في العادات والتقاليد بينهما، بالإضافة إلى وحدة المنابع الثقافية، وسهل ذلك كله أنه ليس بين البلدين حواجز طبيعية تعيق الحركة بينهما، بل إنهما جغرافياً امتداداً لبعضهما البعض، ولذلك لم يكن غريبا ولا مستغرباً أن تقوم ماعرف بالجبهة الشرقية بالشراكة بين الأردن والعراق لرد العدوان الإسرائيلي على الأمة، وهنا يبرز عامل آخر من عوامل الوحدة والتقارب بين الأردنيين والعراقيين، أعني به رابطة الدم والشهادة التي روت تراب فلسطين دفاعاً عن أرض الأمة ومقدساتها.
كثيرة هي عناصر التداخل والتكامل بين الأردن والعراق، لذلك أمن الأردنيون بصورة يقينية أن كل سوء يمس العراق يمسهم بصورة مباشرة، ولذلك انحازوا دائما إلى وحدة العراق تراباً وشعباً، لأن الأردنيين يعرفون ماذا يعني العراق الموحد ليس للعراقيين فقط، ولا للأردنيين فقط، بل ولأمتنا ومنطقتنا كلها، خاصة في هذه الفترة التي نواجه فيها جميعاً ثقافة الكراهية وتنظيماتها، التي تعيث بالأرض فساداً، وتسعى إلى تدمير كل مقومات حضارتها والشواهد المادية لهذه الحضارة كما حدث في سوريا والعراق.
ومثلما نعرف نحن في الأردن أهمية أن يكون العراق وشعبه كتلة واحدة موحدة، فإننا نؤمن أن العراق الحديث يجب أن يخرج من محنته، وأن مخرجه من هذه المحنة هو دولة المؤسسات التي يحكمها القانون وسيادته، والقائمة على أساس المواطنة الحاضنة لجميع أبناء العراق، على أساس المساواة في الحقوق والواجبات، فهذه هي حصانة الشعوب والدول من الفتن، لهذا كله فإننا في الأردن سعداء بهذا الوعي الذي بدأ يتبلور وينضج عند إخوتنا في العراق كما سمعناه منهم، وصار على الأمة كلها وفي الطليعة منها الأردن، الرئيس القادم للقمة العربية إطلاق مشروع عربي داعم للعراق يساعده على ترتيب أوضاعه ومساعدة أبنائه على مواجهة التحديات من خلال خارطة طريق واضحة، تبني مستقبلاً مشرقاً للعراق دولة مواطنة ومؤسسات لا سيادة فيها إلا للقانون. الرأي
لم تحجب الأدخنة التي لوثت بها أجواءنا العملية الإرهابية في الكرك وما حولها،الرؤية عن اشتداد الحراك بين عمان وبغداد ودلالاته، فأثناء الشهر الأخير من العام الماضي زار الأردن الكثير من الوفود العراقية، كان أبرزها على التوالي زيارة عمار الحكيم رئيس إحدى أكبر الكتل البرلمانية في مجلس النواب على رأس وفد عالي المستوى، يمثل الإئتلاف العراقي الموحد، والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي، ويمثل المكون الشيعي العراقي أو غالبيته على وجه العموم، وقد حظى الحكيم ببرنامج حافل وبحفاوة تليق به، فاستقبله جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وفي أثناء هذه الزيارة قال الحكيم الكثير عن العلاقات الأردنية العراقية، وكيف أن الأردن كان في كل العهود الرئة التي يتنفس منها العراق، معلناً أنه طلب من جلالة الملك عبدالله الثاني بما يمثله من ثقل عربي ودولي من جهة، ومن ثقل أدبي من جهة ثانية بضرورة أن يتدخل جلالته لإعادة اللحمة للبيت العراقي، الذي مزقته الإحن والمحن، خاصة وأن الأردن سيرأس اعتباراً من آذار القادم مؤتمر القمة العربية، مما يضيف بُعداً آخر للأبعاد التي يمثلها جلالة الملك الذي هو في عرف الأغلبية الساحقة من المسلمين عميد آل البيت، الذين يتنافس المسلمون على اختلاف مذاهبهم وأعراقهم على حبهم، والولاء لهم. وقد قيل في ذلك «أن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش».
بعد زيارة الحكيم بفترة وجيزة استقبل جلاله الملك عبدالله الثاني كلا من نائب الرئيس العراقي أسامة النجفي و صالح المطلك نائب رئيس الوزراء العراقي و سليم الجبوري رئيس البرلمان العراقي، أي أن جلالته استقبل زعماء وقادة المكون السني العراقي، مثلما استقبل في ذات اليوم إياد علاوي رئيس الوزراء العراقي الأسبق وزعيم أحد أكبر الكتل النيابية والأجنحة الرئيسية للمكون الشيعي للشعب العراقي الشقيق، وبهذا يكون العراقيون في غالبيتهم الساحقة يرون في جلالته محط أمل ورجاء للخروج بالعراق من الحالة التي وصل إليها وأنهكته وأنهكت أمته معه، وفي الطليعة منها نحن في الأردن الذين ظل العراق محوراً أساسياً من محاور فكرنا السياسي، وظل البحث عن صيغة من صيغ التكامل أو الوحدة مع العراق هدفاً سعى إليه الأردنيون مبكراً، لأنهم يؤمنون بضرورة وحدة الأمة وتكامل أقطارها خاصة المتجاورة منها، كما هو الحال بين الأردن والعراق، ومن منطلق الإيمان بأنه لا غنى للعراق عن الأردن ولا للأردن عن العراق، وقد جاءت أحداث نهاية القرن الماضي وبداية هذا القرن لتؤكد هذه الحقيقة، ولتؤكد صدق الرؤية التي تمتع بها الآباء المؤسسون للدولتين الحديثتين في الأردن والعراق، والذين سعوا دائما إلى إيجاد صيغ تكامل ووحدة بينهما على طريق تحقيق الوحدة الشاملة، التي شكلت جزءا رئيساً من الفكر السياسي لأبناء العراق والأردن، وهدفاً دائماً لهم يسعون إلى تحقيقه، كلما أتيحت لهم فرصة، وعرضت عليهم صيغة من صيغ الوحدة، وفي هذا الإطار جاءت فكرة الهلال الخصيب التي بنيت على أساس تلبية أشواق أبناء هذه المنطقة باستعادة وحدة سوريا الطبيعية «فلسطين والأردن وسوريا ولبنان»، وتكاملها مع العراق، وهو الهلال الذي شكل على مدار التاريخ مهد الحضارات والنبوات، وقدم للبشرية أروع وأوضح صور التعددية الدينية والعرقية والثقافية، ومثل فكرة الهلال الخصيب كانت فكرة حلف بغداد وقبلها معاهدة الأخوة بين الأردن والعراق التي وقعت عام 1947،ثم الاتحاد العربي الهاشمي، ثم مجلس التعاون العربي الذي ضم مصر بالإضافة إلى الأردن والعراق، وكلها صيغ تترجم شوق الأردنيين والعراقيين إلى الوحدة والتكامل، ولاغرابة في ذلك فما يجمع البلدان كثير أوله هذا التداخل والتشابك العشائري الذي غذته المصاهرات المستمرة بين الطرفين، وقد سهل أمر هذا التداخل في الأنساب والمصاهرة التماثل الاجتماعي خاصة في العادات والتقاليد بينهما، بالإضافة إلى وحدة المنابع الثقافية، وسهل ذلك كله أنه ليس بين البلدين حواجز طبيعية تعيق الحركة بينهما، بل إنهما جغرافياً امتداداً لبعضهما البعض، ولذلك لم يكن غريبا ولا مستغرباً أن تقوم ماعرف بالجبهة الشرقية بالشراكة بين الأردن والعراق لرد العدوان الإسرائيلي على الأمة، وهنا يبرز عامل آخر من عوامل الوحدة والتقارب بين الأردنيين والعراقيين، أعني به رابطة الدم والشهادة التي روت تراب فلسطين دفاعاً عن أرض الأمة ومقدساتها.
كثيرة هي عناصر التداخل والتكامل بين الأردن والعراق، لذلك أمن الأردنيون بصورة يقينية أن كل سوء يمس العراق يمسهم بصورة مباشرة، ولذلك انحازوا دائما إلى وحدة العراق تراباً وشعباً، لأن الأردنيين يعرفون ماذا يعني العراق الموحد ليس للعراقيين فقط، ولا للأردنيين فقط، بل ولأمتنا ومنطقتنا كلها، خاصة في هذه الفترة التي نواجه فيها جميعاً ثقافة الكراهية وتنظيماتها، التي تعيث بالأرض فساداً، وتسعى إلى تدمير كل مقومات حضارتها والشواهد المادية لهذه الحضارة كما حدث في سوريا والعراق.
ومثلما نعرف نحن في الأردن أهمية أن يكون العراق وشعبه كتلة واحدة موحدة، فإننا نؤمن أن العراق الحديث يجب أن يخرج من محنته، وأن مخرجه من هذه المحنة هو دولة المؤسسات التي يحكمها القانون وسيادته، والقائمة على أساس المواطنة الحاضنة لجميع أبناء العراق، على أساس المساواة في الحقوق والواجبات، فهذه هي حصانة الشعوب والدول من الفتن، لهذا كله فإننا في الأردن سعداء بهذا الوعي الذي بدأ يتبلور وينضج عند إخوتنا في العراق كما سمعناه منهم، وصار على الأمة كلها وفي الطليعة منها الأردن، الرئيس القادم للقمة العربية إطلاق مشروع عربي داعم للعراق يساعده على ترتيب أوضاعه ومساعدة أبنائه على مواجهة التحديات من خلال خارطة طريق واضحة، تبني مستقبلاً مشرقاً للعراق دولة مواطنة ومؤسسات لا سيادة فيها إلا للقانون. الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/01/04 الساعة 01:45