«محاسب» الحكومة يثير لغطاً في الشارع الأردني و«قوة» وزير المالية أصبحت «لغزاً» سياسياً

مدار الساعة ـ نشر في 2017/09/06 الساعة 10:48

مدار الساعة - بسام بدارين - يستطيع وزير المالية الأردني المثير للجدل عمر ملحس الاستثمار جيداً في التسريبات التي شغلت الشارع طوال فترة عيد الأضحى بعنوان تعديلات على قانون الضريبة ستشمل غالبية الأردنيين. فقد أصبح ملحس في المعادلة الداخلية من الأرقام الصعبة المنتجة للجدل والإشكال والتساؤلات صمت هو والمؤسسات التابعة له أكثر من عشرة أيام على الأقل على التسريبات التي شغلت الدنيا والناس.

وبعد يوم الدوام الرسمي الأول في إثر عطلة عيد الأضحى المبارك استثمر وزير المالية في تلك التسريبات وأوعز بوضوح إلى دائرة الضريبة كي تنفي مضمون ما تسرب حول نوايا رفع نسبة ضريبة الدخل وإشراك شرائح اجتماعية جديدة في مستوى الضريبة. وهذا الإرباك في الملف الضريبي يمكن الاستثمار فيه سياسيًا لأن تخويف الرأي العام والمواطنين من سقف جديد للضريبة سيطال غالبيتهم، يعني أن اللجنة المالية في مجلس النواب ستسعى قريباً للاشتباك مع وزارة المالية للحصول على تسوية على شكل صفقة ترفع الضريبة لكن من دون الوصول لسقف تلك التسريبات.

يُعتقد وعلى نطاق واسع برلمانياً على الأقل أن لعبة التسريبات تلك كانت مقصودة وأن وزير المالية المثير للجدل يستفيد منها سياسيًا عبر إنتاج حالة تموضع جديدة تتفاوض مع ممثلي الشعب، لأنه الوزير الذي يقود طاقم الاقتصادي والمالي في الحكومة تحت شعار وجوب دفع كل مواطن ضريبة. وكان لافتاً جدًا أن الوزير ملحس بالمقابل لا يعتبر تقديم خدمات للمواطنين منصفة قياساً بفرض الضرائب أو زيادتها مسألة في نطاق اختصاصه فقد سمعته صحيفة «القدس العربي» مباشرة وهو يقول: إن وزارة المالية معنية بالأرقام والحسابات فقط الرقمية الواقعية.

في اجتماعات مجلس الوزراء وعند الحديث عن الأثر الاجتماعي والأمني لسياسات رفع الضرائب يصر وزير المالية على أن هذه المسألة تخص بقية الوزراء والحكومة وعلى أن إصلاح الخطأ الهيكلي الكبير في الإدارة المالية للدولة يتطلب إجراءات حقيقية ومنطقية لا تنطوي على مجاملات.

مؤخرا أبلغ الوزير الذي بدأت تلاحقه الأضواء زميلين له على الأقل بأن معادلة الضريبة تخص وزارة المالية، وبأن رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي لم تقدم له بعد التفاصيل على الأقل قبل إنضاج التصور الضريبي الكامل خصوصًا أن وزارة المالية هي المعنية بالتفاوض مع الهيئات الدولية.

مثل هذا التعليق لا يصدر إلا عن وزير يسطع نجمه ويحظى بدعم خلفي من مركز قوة عابر للحكومة وهو ما يوحي به أيضا كلام الوزير ملحس الشارح لمعادلة التهرب الضريبي، حيث يستغرب دوما المنطق القائل بمعالجة مستويات التهرب الضريبي المرتفعة بدلا من رفع الضرائب للتخفيف من عجز ميزانية الدولة. وفي مقاربات الوزير ملحس المبالغة في الحديث عن التهرب الضريبي ليس أكثر من اسطوانة مشروخة، معتبرا أن معدلات التهرب الضريبي في الأردن قريبة أو ليست بعيدة جدا عن معدلات دول متعددة، مُصرًا على أن الحديث عن تخفيض عجز الميزان المالي بالتركيز على التحصيل الضريبي ومواجهة التهرب ليس المحطة الأساسية لإصلاح الوضع المالي في الدولة.

وبكل الأحوال يزداد وزير المالية ملحس قوة برغم وجود خلافات بينه وبين بعض رموز الطاقم الاقتصادي في الحكومة وبعض الخبراء المعنيين حتى في مؤسسة الديوان الملكي. لغز قوة وزير المالية مرحليًا يبدو محيرًا ومثيرًا لتساؤل خريطة النخبة وصمته لأكثر من عشرة أيام عما تسميه مصادر ضريبية بتسريبات غير دقيقة يدلل على أنه يخوض لعبة سياسية مبرمجة على أساس الوصول إلى تسوية من طراز آخر مع رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب وأعضاء اللجنة، بعد مسلسل تخويف وإقلاق وإرعاب الجميع بقصة التسريبات الأخيرة. وذلك يعني أن هذه التسريبات خدمت في الواقع إصرار الوزير ملحس على متابعة خطته القاسية الخشنة تحت عنوان زيادة واردات الدولة المالية، وهي خطة تثير الجدل أصلا في الشارع ووسط خبراء الاتصال.

التسريبات كانت قد تحدثت عن اقتطاع 10 % ضريبة جديدة من كل مواطن أردني دخله يبدأ من 500 دينار، وتحدثت عن تخفيض شرائح الرواتب الخاضعة للضريبة من 28 ألف دينار سنويا إلى 12 ألف دينار، وهي الأرقام التي أرعبت الشارع خصوصًا مع ارتفاع تكلفة المعيشة، وضعف قدرة الدينار الشرائية، وثبات الرواتب وبقاء الجدلية المزمنة بمعادلة الخدمة، مقابل الضريبة حيث تتراجع الخدمات ومستوياتها للمواطنين، ولا تقدم الحكومة بدائل خدمة عن رفع الضريبة كما يلاحظ رئيس اللجنة المالية السابق في البرلمان يوسف القرنة، الذي طالب في نقاش حول الموضوع مع « القدس العربي» بالعودة إلى الصيغة الأساسية التي تفرق بين الفكر في الإدارة المالية والأرقام المصممة والتصرف على أساس الأصول المحاسبية فقط.

بالمقابل يثور القطاع الخاص ضد سياسات وزير المالية فيما الآخير لا يحفل بها، حتى أن الأمر وصل إلى تصريح لنقيب التجار خليل الحاج توفيق يعلن فيه أن الوزير ملحس يشتبك مع الجميع في القطاع الخاص وأن سياساته ستؤدي إلى كارثة تخفض من واردات الخزينة وأن القطاع الخاص لن يسكت على ما يفعله الوزير ملحس ويقرره.

المناورة التي بدأت بتسريبات حسب خبراء أساسيين ستنتهي بمعادلة وسطية مع لجنة البرلمان المالية قوامها قد يكون تخفيض معدل الدخل الخاضع للضريبة لشرائح ما تبقى من الطبقة الوسطى إلى 20 ألف دينار ولعل ذلك هو هدف اللعبة التي بدأها الوزير ملحس.(القدس العربي)

مدار الساعة ـ نشر في 2017/09/06 الساعة 10:48