الأردن لم يكن أميركياً ولا روسياً

مدار الساعة ـ نشر في 2017/09/05 الساعة 01:31
على الرغم من الانتقادات التي توجه أحيانا للسياسة الخارجية الأردنية، الا انها تثبت في مرات كثيرة، انها منطقية، وإذا كنا على الاغلب ننتظر موقفا محددا إزاء بعض القضايا، الا ان سياسة الانتظار، تثبت في مرات مختلفة، انها افضل بكثير، خصوصا، في ظل تقلب السياسات في العالم.
الموقف من الازمة السورية، والانفتاح المبكر على الروس، والتعامل مع الواقع الحالي، قضايا تصلح للتحليل السياسي والدبلوماسي، اذ ان علاقة الأردن المبكرة جدا، والقوية مع موسكو، والتي سبقت الازمة السورية، بكثير، ارتدت هذه الأيام، على أكثر من ملف، ولربما الملف الأبرز، هو العلاقة الأردنية السورية، والتفاهمات مع طهران عبر البوابة الروسية، بخصوص الحدود الأردنية السورية، وتفاصيل أخرى كثيرة.
برغم العلاقة القوية ما بين عمان وواشنطن، الا ان إقامة علاقة جيدة جدا، مع الروس، دون ان يهدد ذلك العلاقة الأردنية- الأميركية، كان أمرا لافتاً للانتباه، وفي حالات كثيرة، لم يكن واضحا، لماذا يقيم الأردن هذا المسرب الموازي مع الروس، برغم علاقته الفعلية مع الاميركيين، خصوصا، ان هذا المسرب بقي حياً، في ظل توتر العلاقات الروسية الأميركية، وفي ظل تضارب الاجندات مثلا بين الروس والاميركان، في سوريا على سبيل المثال.
لا أحد يشك ان الأردن يراعي المعادلة الأميركية بخصوص سوريا، في حالات كثيرة، سياسيا ولوجستيا، لكنه استطاع ان يوازن في الوقت ذاته، ولايخسر الروس، والذي يتابع تطورات الأسابيع القليلة الماضية، بخصوص العلاقة مع دمشق الرسمية، وبوابة طهران المفتوحة على سوريا، يلمس بشكل واضح، ان المسرب الروسي، هو الذي يحمي مصالح الأردن، في هذا التوقيت، خصوصا، فيما يتعلق بتواجد أي جماعات مقاتلة، او حزبية، او ميليشيات مذهبية قرب الحدود الأردنية السورية، او ما يتعلق بالغزل الجزئي، بين عمان ودمشق، وتصريحات المسؤولين السوريين والاردنيين، تجاه بعضهما البعض.
هذه بصمات روسية، نجمت عن علاقة مبكرة وقديمة مع الروس، وحمت مصالح الأردن الى حد كبير، وهي ارتداد لتنسيق متواصل لم يتم اشهاره علنا.
بالطبع فإن واشنطن لاتعترض أيضا، خصوصا، في جانب التنسيق الأردني الروسي، لاعتبارات تتعلق بأمن الإقليم، لكن هناك تفاصيل وزوايا محددة، تثبت ان الأردن استطاع الموازنة بين الروس والاميركان في موقفه من الازمة السورية، وإذا كان هذا التوازن، محفوفا بالخطر، في حالات كثيرة، الا ان الفرادة بالامر، تتعلق بقدرة الأردن، على السير على حبل مشدود، بخصوص الازمة السورية، دون ان يخسر كل الفرقاء كليا.
في حالات كثيرة، كان النقد ينصب بقوة على السياسة الخارجية، باعتبارها تراوح مكانها، ومحيرة، وغير محددة الملامح كليا، لكننا بكل صراحة، نكتشف ان هذه السياسة الخارجية، في حالات كثيرة، تحمي الأردن، اذ ان سياسة الانتظار من جهة، والموازنة ولو جزئيا، بين الفرقاء، وتوصيف السياسة الخارجية بالمحيرة، وغير الواضحة في حالات كثيرة، أمور تنم عن بصيرة، فلا موقف نهائيا اليوم، ولابد ان تمتلك الدول القدرة على التحرك بمرونة، دون تلوينها بموقف نهائي، في ظل الحاجة الى هوامش واسعة، لتغيير الموقف، او مراعاة التغيرات.
ملف السياسة الخارجية، يعد من ملفات الديوان الملكي، فعليا، وهو ملف يتولاه وزراء مختلفون، لكن على الأرجح ان محددات هذه السياسة ترتبط بما يتم اقراره في الديوان، خصوصا، ان كم المعلومات وتحليلها يبقى اعلى في الديوان، دون ان ينتقص ذلك من أدوار وزارة الخارجية، لكننا نشير الى ان هذا الملف بالتحديد يخضع لاعتبارات مختلفة، وتتشارك فيه أكثر من جهة.
نقد السياسة الخارجية، امر متاح للجميع، لكن إذا اخضعنا الازمة السورية، للتحليل والدراسة، وقارنا بين العلاقات الأردنية الأميركية، وتلك الروسية، وتسييل العلاقة مع الروس، في هذا التوقيت بالذات، الذي يخضع لتغيرات بشأن الازمة السورية، فإننا نكتشف ان الأردن، لم يكن اميركيا، ولم يكن روسيا، اذ استطاع ان يشق مسربا بين كل المعادلات، بما يوفر له النجاة نهاية المطاف، وليس مهما اليوم، ان يقال ان واشنطن، هي التي سمحت للاردن بإعادة التموضع، إزاء الازمة السورية، او ان الأردن شق طريقا منفردا، مع الروس، فما هو مهم، ان ينجو الأردن، من حرائق الإقليم. الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/09/05 الساعة 01:31