سؤال دائم يوجه لرئيس وزراء قطر.. ما هو
مدار الساعة - قال رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني إن العالم يشهد ظهور مراكز عدة للنفوذ، يمتلك كل منها قوته السياسية والاقتصادية والتكنولوجية الخاصة.
وتطرق رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، إلى رؤية دولة قطر حول التحديات التي تواجه الدول الصغيرة والمتوسطة، وسبل تعزيز وتطوير التعاون الأمني حتى يتم تحقيق الأمن الشامل والمستدام، لا سيما في المجال الأمني والدفاعي والسياسي والاقتصادي والاستثماري، والطرق المبتكرة في استخدام التكنولوجيا الحديثة والاستدامة البيئية والعمل الجماعي، بالإضافة إلى تعزيز الحلول السلمية والمبادرات الدبلوماسية لحل مختلف النزاعات والحروب في المنطقة والعالم.
وأكد الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني أن "الدول الصغيرة لديها دور كبير لتلعبه".
ولفت الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني إلى أننا نشهد في العالم، الذي مر بتحولات عظيمة في السنوات القليلة الماضية، ظهور مراكز عدة للنفوذ، يمتلك كل منها قوته السياسية والاقتصادية والتكنولوجية الخاصة، مضيفا أن الصراعات الجديدة والمواجهات الكبرى بين كتل القوى العظمى تعرض النظام الدولي لخطر حقيقي، وأن لهذه التهديدات المترابطة تأثيرها على المليارات من شعوبنا، ولافتا إلى الحرب في أوكرانيا التي هزت أسواق الطاقة العالمية وأدت إلى انعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع، وعدم الاستقرار السياسي في أفريقيا، والصراعات المستمرة في الشرق الأوسط، الذي يفضي إلى تداعيات على سلسلة التوريد العالمية وعلى التجارة الدولية، قائلا "نحن جميعا نشعر بالقلق إزاء هذا التنافس، وخاصة في هذه المنطقة".
وأضاف "غالبا ما أسأل كيف تمكنت قطر، كدولة صغيرة، من تحقيق التوازن بين اللاعبين الدوليين"، مبينا أن "قطر تؤمن بتداخل وترابط المجتمع الدولي، وهذه القناعة تمكننا من إقامة شراكة تجارية قوية مع الصين، مع الحفاظ على تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة".
وتابع "في ذات العام الذي تم فيه تصنيفنا كحليف للولايات المتحدة كدولة غير عضو في حلف شمال الأطلسي، وقعنا أيضا ثلاث اتفاقيات طاقة جديدة مع الصين".
وأوضح الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، "أن قدرتنا على إدارة علاقاتنا مع الصين والولايات المتحدة ترتكز على قدرتنا على التكيف، والمشاركة الدبلوماسية، والسعي لتحقيق المصالح ذات المنفعة المتبادلة، وهذا لا يخدم المصالح الوطنية لقطر فحسب، بل يساهم في الاستقرار الإقليمي والعالمي أيضا".
وأشار إلى أنه يمكن للصراعات العديدة التي نشهدها في كل المناطق أن تغري الدول الصغيرة بتبني القناعة، والاعتقاد بأنه ليس لها دور تلعبه لمجرد صغر حجمها، ولكن الحقيقة على النقيض من ذلك تماما، ففي بعض الأحيان تكون الدول الصغيرة في وضع أفضل للعب دور حاسم في حل النزاعات.
ورأى آل ثاني أن الدول الصغيرة غالبا ما تكون أكثر تأثرا بالمنافسة الجيوستراتيجية، والتوترات المتصاعدة، وانعدام الأمن الاقتصادي، لذا فإن علينا التحلي بالمرونة ونشارك مشاركة إيجابية كلما وحيثما كان ذلك ممكنا.
وأضاف "يتعين على قادة الدول الصغيرة أن يكونوا مستعدين لمواجهة هذه التحديات، لا كمتفرجين سلبيين، بل كمشاركين نشطين وفاعلين في بناء السلام والاستقرار، وكميسرين للحوار، ووسطاء حاضري البديهة في الصراعات العالمية"، مؤكدا أن نجاح دولة قطر في هذه المشاركات يأتي من خلال التركيز على ثلاثة مجالات رئيسية هي: بناء التحالفات المتعددة الأطراف، وتيسير الوصول للسلام، والاستثمار في النمو الاقتصادي من أجل الأجيال القادمة.
وأوضح رئيس مجلس الوزراء القطري أنه "بالنسبة لقطر، ولكونها دولة صغيرة تقع في منطقة مضطربة، يعد بناء التحالفات المتعددة الأطراف أمرا أساسيا.. وتقع محاولة الحفاظ على الأطر متعددة الأطراف وتمكينها، وتبني نظام دولي قائم على القواعد والدعوة إليه بالكامل، في صميم سياستنا الخارجية"، مشيرا إلى أن دولة قطر حافظت بشكل فعال على التعاون مع الهيئات الإقليمية والدولية، وكانت وما زالت عضوا نشطا في مختلف المبادرات الدولية.
وتابع "في العام الماضي، وقعنا على وثيقة الانضمام إلى معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا (TAC)، انطلاقا من إرادتنا المشتركة لإنشاء منطقة آمنة ومستقرة لتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة"، مؤكدا أن "علاقاتنا مع دول رابطة أمم جنوب شرق آسيا (الآسيان) ذات أهمية قصوى بالنسبة لنا، ونحن حريصون على مواصلة تعزيز علاقاتنا معها ومع القارة الآسيوية عموما".
ونوه الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، في محاضرته، إلى أن قطر أصبحت أيضا مركزا إقليميا للتعددية من خلال فتح العديد من مكاتب الأمم المتحدة في الدوحة، مشيرا إلى افتتاح "بيت الأمم المتحدة" في شهر مارس الماضي، والذي يتضمن 12 مكتبا من مكاتب المنظمة الدولية.
وأشار إلى أن دولة قطر تركز أيضا على عملية تعزيز الوصول للسلام لتعزيز السلام والأمن الدوليين، وقد كان هذا أحد الركائز الرئيسية لسياستها الخارجية لأكثر من 25 عاما، مضيفا "إن كوننا دولة صغيرة، مثلنا مثل سنغافورة، يمنحنا الكثير من المزايا في التحرك الدبلوماسي وبناء العلاقات والشبكات مع الجميع.. ويمكن للدول الصغيرة أن تفتح قنوات اتصال موثوقة بين الدول، مما قد يشكل فرصة لتعزيز الشراكات الاستراتيجية مع القوى الكبرى في المجتمع الدولي، ويؤدي إلى وقف إطلاق النار وإلى بناء الحوارات وتعزيز السلام والأمن".
وتابع الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني "توصلنا مع إيران إلى اتفاق بينها وبين الولايات المتحدة، لنصبح وسيطا رئيسيا في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة، ولفتح قناة مالية ستساعد في حل القضايا التي طال أمدها، وهي خطوة نأمل أن تؤدي إلى تفاهمات أكبر بشأن مسألة إيران النووية".
واستطرد الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني بأنه قبل ذلك، وفي أغسطس 2021، نجحنا في التوسط بين طالبان والولايات المتحدة، مما أدى إلى إنهاء الحرب التي دارت رحاها منذ أكثر من عقدين من الزمن، ولقد لعبت قطر دورا أساسيا في واحدة من أكبر عمليات الجسور الجوية الإنسانية في التاريخ، حيث نجحت في إجلاء أكثر من 80 ألف شخص عبر قطر.
كما رأى رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية أن "مستقبل أوطاننا يتوقف على قدرات وإمكانات الأجيال القادمة، وبالنسبة لقطر، فقد علمنا العقد الماضي دروسا بالغة الأهمية ألهمتنا وضع خطة ملموسة، نوازن فيها بين المخاطر والمكاسب، تأخذ في الاعتبار المتطلبات الحالية والاحتياجات المستقبلية للأجيال القادمة.. وكان من الضروري لنا ضمان بناء إرث دائم ومستمر، وأن ننقل ثروتنا إلى أجيالنا القادمة"، مضيفا "نحن دولة فتية، تسترشد بقائد يعرف في جميع أنحاء العالم بطموحه وتطلعه إلى المستقبل".
وتابع "فباستخدام الثروة التي حبانا الله بها، استثمرنا في بلدنا وشعبنا، استثمرنا في التعليم والبنية التحتية، وأنشأنا شركة طيران ومطارا وميناء بحريا على أحدث طراز، في حين أصبحنا خبراء في الخدمات اللوجستية والتكنولوجيا والخدمات المهنية، وأنشأنا أيضا جهاز قطر للاستثمار الذي يخطط للاستثمار في مستقبل قطر من خلال مشاريع متنوعة تمتد عبر الأسواق والقطاعات والمناطق الجغرافية العالمية الرئيسية".
كما أشار الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، إلى إنشاء دولة قطر المركز الإقليمي الخاص بجهاز قطر للاستثمار هنا في سنغافورة، مضيفا "حاليا لنا استثمارات في سنغافورة في القطاع العقاري وقطاعات الرياضة والرعاية الصحية، ونتطلع إلى استكشاف استثمارات محتملة في المزيد من القطاعات".
وأكد أن نموذج دولة قطر الاقتصادي قد أثبت نجاحه من خلال مساعدته لنا على استضافة أحد أكبر الأحداث الرياضية في العالم، ألا وهو بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، قائلا "لقد شكل تنظيم قطر الناجح لكأس العالم إنجازا كبيرا لدولة صغيرة، فالبطولة لم تمنحنا فرصة لبناء بنية تحتية مستدامة ونمو اقتصادي كبير فحسب، وإنما عرضت أيضا الثقافة القطرية والعربية والإسلامية، والمنطقة ككل، لتغيير الصور النمطية السائدة".
وركز على أن مهمتنا الآن هي أن نصبح مركزا عالميا حيويا، حيث قال "باعتبارها مركز عبور، تقع قطر عند البوابة بين الشرق والغرب، وهي توفر سبيل وصول لا يضاهى إلى الأسواق، وتعتبر حلقة وصل بين مليارات الأشخاص عبر أكثر من 25 اقتصادا: 80% من سكان العالم يعيشون على بعد 6 ساعات بالطائرة من قطر، ويستغرق وصول السفن من قطر إلى كل من آسيا وأوروبا والولايات المتحدة 18 يوما فقط".
وأبرز أن قطر تتمتع بموقع استراتيجيلربط الأفراد والشركات ماديا ورقميا من جميع أنحاء العالم، مشيرا إلى أن قطاع الطاقة في قطر يواصل اليوم التوسع، مع ظهور العديد من الفرص الاستثمارية للمستثمرين المحليين والأجانب في مجال النفط والغاز، حيث قال في هذا السياق "أن صناعة الطاقة أطلقت لدينا أفضل القدرات التكنولوجية واللوجستية، وفي السنوات القادمة، سنقوم بالمثل في صناعات الرعاية الصحية والابتكار".
وأكد الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، في محاضرته، أن لقطر رؤية واضحة طويلة الأجل للصناعات التي ستستمر في تشكيل العمود الفقري لاقتصادها المحلي، وهذا ما يوجه رؤيتنا لبلدنا، وكذلك استثماراتنا في صناعات مختارة حول العالم، مثل تلك الموجودة هنا في سنغافورة.
وأضاف "على نحو مماثل، حققت سنغافورة نجاحا اقتصاديا عظيما لتصبح مركزا ماليا عالميا، معروفا ببنيته التحتية المالية الاستثنائية واستقراره التنظيمي.. وإن دور سنغافورة كجسر بين الأسواق الشرقية والغربية، إلى جانب اهتمامها بالتقدم التكنولوجي، يقدم نموذجا مهما لجميع الدول الصغيرة، ويجب أن نبقي في الدول الصغيرة الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية في طليعة أولوياتنا".
وشدد على أن توفير الفرص للمواطنين القطريين من خلال إمدادهم بالمعارف والمهارات يهيئهم للمساهمة بشكل هادف على الساحة العالمية، مع ضمان أساس اجتماعي متين للتقدم، قائلا "هذا الاستثمار في شعبنا هو الذي سمح لقطر بإظهار مرونة ملحوظة في مواجهة التوترات الإقليمية والوباء العالمي.. لقد أظهرت قيادة قطر وشعبها عزما ثابتا على الحفاظ على الاستقرار وتنويع طرقنا التجارية وتعزيز الصناعات المحلية وتعزيز قدرتنا على تحمل الشدائد".
وأشار الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني إلى أنه "لفترة طال أمدها، كنا ننظر إلى الدول الصغيرة على أنها دول محدودة بحجمها ولكن اليوم، وبالنظر إلى الأمثلة الناجحة من الدول الصغيرة، مثل قطر وسنغافورة، يمكننا رؤية كيف يمكن للدول أن تستخدم الأدوات والاستراتيجيات المتاحة لها لتصبح أطرافا ناجحة وفاعلة في المجتمع الدولي".
وأكد الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، في ختام كلمته بالمحاضرة، أن التاريخ أثبت أن تحقيق النتائج الإيجابية لا يعوقه الحجم، فمن خلال التخطيط وتعزيز الشراكات العالمية ورعاية مواطن القوة الكامنة لدينا، لن تنجح الدول الصغيرة فحسب، بل ستكون أيضا ملهمة للآخرين للقيام بالمثل.