البعد الغائب في التعليم

أ. د. خالد عطية السعودي
مدار الساعة ـ نشر في 2023/08/23 الساعة 15:52

أسباب كثيرة دفعتني للكتابة في هذا الموضوع، ولعل الأكثر إلحاحا هو ما شاهدته صباح هذا اليوم من وجود مجموعة من الطلبة الذين ألقوا بحقائبهم على قارعة الطريق، وقد أمسكوا بهواتفهم النقالة وانكبوا عليها..!

وكأني بهم يتمنون لو أن العطلة الصيفية طالت وأقاموا فيها ما أقام عسيب..! فهم ينظرون إلى بدء الدوم نظر المغشي عليه من الموت..!
أعتقد أن بعض الطلبة لا يشعرون بالمتعة والبهجة والسعادة والرغبة نحو التعلم، والمناهج، والمدرسة، والامتحانات والمعلمين...! أي أن المسألة تكمن في تطوير إتجاهات سلبية تجاه جميع مفردات منظومة التعليم..!
ولكي نساعد الطلبة على تغيير اتجاهاتهم نحو التعليم عموما ونحو مدارسهم ومعلميهم تحديدا، علينا البحث عن البعد الغائب في عمليتي التعلم والتعليم، وهو التعليم القائم على المشاعر..!
التعليم المستند إلى المشاعر، هو توجه تربوى يتخذ من المشاعر أساساً فى جميع التعاملات اللفظية والسلوكية مع الطلبة، وفي هذا الشكل من التعلم يتم اكتساب الطالب للمعارف والمهارات والاتجاهات فى بيئة تعلم تحقق الراحة والاستمتاع والتشويق وزيادة الدافعية، ويتسم بفاعلية الطالب ومشاركته، وزيادة انتباهه؛ نظراً لتعزيز الجوانب الوجدانية فى التعلم، وفى مقدمتها مراعاة المشاعر الإيجابية والحد من المشاعر السلبية بما يمكّن من اكتساب الخبرات وتحقيق تعلم ذى معنى..!
ولإنجاح هذا النمط من التعلم، المطلوب ينبغي للمعلم استخدام الكلمات القوية الإيجابية التى تبث الثقة فى نفوس الطلبة، وإحاطتهم بمناخ يسوده التعاون والمعاملة الطيبة، وتوجيههم لتحديد أهدافهم، وحثهم على السعى لتحقيقها، وتجنب استخدام أساليب التهديد أو التوبيخ أو التوعد..!
المعلم الجيد يحسن قراءة وجوه الطلبة للتعرف على الشعور الذى يشعرون به، ويستمع إليهم باهتمام وتعاطف، ويحترم وجهة نظرهم، ويستجيب لتساؤلاتهم ويبدي الاهتمام بها. ويستخدام المعززات المعنوية، ولا يستحي أن يعبر عن مشاعره من أنه يحبهم ويسعد بالشرح والتواصل الإيجابى معهم. ثم إنه يشجع الطلبة على المبادأة والتفاعل والتعاون..، ويصبر على الطالب الضعيف ويقدم له الدعم والمساندة، ويعزز جهد الطالب المجتهد ويمدحه أمام زملائه ويشجعه على مواصلة الاجتهاد، ويتعامل مع الجميع بطرق عادلة تقوم على المساواة.
إن كل ما سبق يولد لدى الطالب بالطمأنينة والراحة النفسية، ويجعله يقبل على موضوعات التعلم بإيجابية ودافعية، ويطرد عنه الشعور بالملل أو الضجر من المعلم، فتراه ينتظر حصة المعلم بشغف، ويتقبل ما يطرحه بصدر رحب، ويحترم المعلم ويقدره ويعتبره قدوة يحتذى بها.. وهذا من شأنه أن يقلل من المشكلات الصفية، ويحقق مبادئ التربية المتوازنة التى تجعل الطلاب أسوياء نفسياً، ويرفع معدلات الثقة بالنفس والكفاءة الذاتية لدى الطلبة.
وهنا يمكن طرح مجموعة من التساؤلات، منها:
هل التصحر العاطفي والجفاف الوجداني الذي أصاب كثيرا من مفاصل حياتنا الاجتماعية تعدى إلى منظومتنا التعليمية..؟
هل يعي معلمنا أهمية التربية الوجدانية وعلاقتها بالعناصر الشاملة للمناهج، من نتاجات، ومحتوى وإستراتيجيات تدريس وأساليب تقويم، وبيئة ناعمة؟
أما إجراءات التنفيذ فإنه يتوجب على الخبراء والباحثين السعي لإنضاج الفكرة، لتصبح واقعا ملموسا ، لا سيما وأن لهذه المؤسسة- وأعني وزارة التربية والتعليم - فضلا كبيرا على كثير من النخب التربوية - وصاحب المقالة أحد الذين طوقتهم هذه المؤسسة بأفضالها: طالبا ومعلما ومشرفا..!
ربما يكون من المجدي عقد دورة تدريبية لفريق محوري، ليقوم بدوره لاحقا في تدريب جميع المؤثرين في عملية التعليم من معلمين ومديرين ومشرفين..
ولعلمي الأكيد وقناعتي الكبيرة بالمشروع الطموح الذي يحمله معالي أ. د. عزمي محافظة، فإنني على يقين أن هذه الأفكار ستلاقي هوى في نفسه..!
أعتقد أن وزارة التربية والتعليم ممثلة بمعالي الوزير، تتمتع بدرجة عالية من المرونة، وتواكب المستجدات المعاصرة، وتسعى إلى خلق تعلم نوعي وعميق..!

مدار الساعة ـ نشر في 2023/08/23 الساعة 15:52