د. محمد المومني
الثاني عشر من أيلول القادم تاريخ مفصلي كبير في اسرائيل وتطور نظامها السياسي. انه التاريخ الذي ستحدد فيه المحكمة العليا الاسرائيلية ما اذا كان قانون التعديلات القضائية الذي اقره الكنيست بالقراءة الاولى مؤخرا متسق مع قوانين اسرائيل التأسيسية التي هي بمثابة دستور اسرائيل ام انه غير متسق معها ويتعارض مع اركان البناء الدستوري الاسرائيلي. ان وجدت المحكمة انه متسق، فهذا يعني المضي قدما بالانقلاب السياسي على القضاء ولا شيء سيوقف الكنيست والحكومة المنبثقة عنه من الحكم المطلق دون رادع او مثبط، وان وجدت المحكمة انه غير دستوري ولا يتسق مع القوانين التأسيسية، فتكون الامور قد دخلت في مرحلة ضبابية شديدة لان المحكمة بذاتها لا تمتلك قوة انفاذ ذلك وسيترك للحكومة – صاحبة التشريع المرفوض – ان تطبق قرار المحكمة. غير واضح اذا كانت الحكومة سوف تطبق قرار المحكمة، ونتنياهو للآن يرفض الالتزام والقول انه سيطبق قرار المحكمة، وهذا يوحي ان اسرائيل ستدخل في مواجهات سياسية، البعض يعتقد انها سترتقي لمستوى المواجهات المدنية والحرب الاهلية على امتداد اسرائيل. الكافة تنتظر قرار المحكمة بفارغ الصبر، لانه سيحدد كثيرا من الافعال والمواجهات السياسية القادمة.
قرار المحكمة العليا يخضع الآن لنقاشات قانونية وسياسية عميقة، لأن القرار ومسوغاته واسسه القانونية ومطالعته التاريخية ستكون حاسمة لجهة تحديد القوى السياسية المختلفة موقفها مما يحدث وربما الانتقال للعمل السياسي الميداني للاطاحة بالحكومة. الفئة القائدة المثقفة تنظر لما يحدث على انه تاريخي، فإسرائيل التي هاجر لها اليهود عبر عقود منذ وعد بلفور لن تكون تلك التي يعرفونها لانها تتحول الى دولة تتغول فيها السلطة التشريعية والحكومة المنبثقة عنها على السلطة القضائية وهذا امر مخل بأسس الديمقراطية وبديهياتها التي تقول بضرورة توازن السلطات وعدم تركز القوة والسلطة السياسية بيد جهة بعينها حتى لو كانت تلك الجهة منتخبة. التعديلات القانونية التي تنقلب على القضاء وتأخذ من صلاحياته تفعل تماما ذلك، تأخذ من قوة المحكمة ودورها السياسي لتضع هذه القوة بيد الحكومة المنبثقة عن البرلمان. في بديهيات البناء الديمقراطي لا يجوز المساس بالأسس التي يقوم عليها النظام السياسي حتى لو صوتت الاغلبية بذلك، ولهذا تجد غالبية الدول تجعل من تغيير الدستور امرا صعبا معقدا يجب الا يتم بسهولة، وتضعه بيد غالبية الثلثين في البرلمانات حتى لا تستطيع اغلبية بسيطة من لون سياسي معين ان تغير قواعد اللعبة السياسية. ابرز الامثلة على ذلك في التاريخ الحديث عندما كانت اغلبية ساحقة من الاميركيين مع طرد المسلمين بعيد احداث ايلول الارهابية، لكن هذا لم يتم لانه يتعارض مع القوانين والدستور الاميركي الذي يضمن حرية الاديان وبالتالي لم تستطع لا السلطة التنفيذية ولا التشريعية السير وتطبيق رغبات استطلاعات الرأي لأن هذا ضد مبادى الدستور الاميركي وبديهيات الديمقراطية بأبسط تعريفاتها.