مأساة السودان والدور العربي المفقود

د. أحمد بطّاح
مدار الساعة ـ نشر في 2023/08/19 الساعة 18:04

إن من المُلاحظ أن الأزمة السودانية تتفاقم يوماً بعد يوم، ومن الواضح أن طرفي النزاع: القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع لا تستطيع الحسم في المستقبل المنظور، والواقع أن الدول العربية (مُمثّلة في الجامعة العربية أو خارجها) تتحمل جزءاً غير قليل مما آلت إليه الأمور في السودان فالقضية المطروحة حقيقة هي مسألة الشرعية (legitimacy)، فالقوات المسلحة السودانية هي التي تمثل الشرعية وبغض النظر عن أسماء قادتها، أما قوات الدعم السريع فهي على الأكثر تُمثل فصيلاً متمرداً من القوات المسلحة السودانية، وإذا عُدنا إلى التاريخ فإننا يجب أن نلاحظ الأمور الآتية فيما يتعلق بقوات الدعم السريع:

أولاً: ثم تشكيلها كمليشيا في عام (2003) لمواجهة التمرد في دارفور وجنوب كردفان وولاية النيل الأزرق.
ثانياً: وافق البرلمان السوداني في عام (2017) على تشكيلها رسمياً، وانتقل الإشراف عليها (إسمياً في الواقع) إلى القوات المسلحة.
ثالثاً: عند حدوث الثورة السودانية وسقوط حكومة البشير في عام (2018) تحالف الجيش معها (بحُكم قوتها على أرض الواقع)، وتَشكّلَ مجلس سيادة برئاسة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وتم تعيين محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع نائباً لهُ.
رابعاً: قائد هذه القوات كما أسلفنا هو محمد حمدان دقلو، ونائبه هو أخوه (عبد الرحمن دقلو)، الأمر الذي يشير إلى الطابع العائلي لقيادة هذه القوات.
خامساً: مُعظم منتسبي هذه القوات من إقليم دارفور، مما يشير إلى محدودية تمثيلها للشعب السوداني.
سادساً: تستثمر قوات الدعم السريع كما تشير تقارير كثيرة بعض مناجم الذهب (من خلال شركة الجُنيد)، وتتعامل مع بعض الشركات العسكرية الخاصة (وبالذات فاجنر الروسية)، كما تتعامل مع بعض الدول الإقليمية والعالمية بمعزل عن الحكومة الشرعية للسودان وقيادة قواته المسلحة.
سابعاً: قمعت قوات الدعم السريع ما سُميّ باعتصام القيادة العامة الذي ذهب ضحيته أكثر من (100) متظاهر سلمي سوداني.
ثامناً: وثّقت المنظمات الدولية المستقلة ارتكاب قوات الدعم السريع للكثير من الفظاعات والتجاوزات على حقوق الإنسان خلال الحرب الدائرة الآن الأمر الذي يجعلها أقرب إلى الميليشيا المنفلتة.
وفي ضوء الاعتبارات السابقة وفي ضوء حقيقة أن الدولة والدولة فقط هي صاحبة الحق الحصري في امتلاك القوة القاهرة فإن جميع الدول العربية كان يجب أن تقف موقفاً مبدئياً واحداً وهو الاصطفاف إلى جانب القوات المسلحة التي تمثل الشرعية، وبالطبع فإنّ المقصود هُنا ليس بياناً مُنمّقاً يصدر عن الجامعة العربية أو عن بعض دولها، بل موقف تترتب عليه سياسات فعلية تتمظهر على شكل مساعدات عسكرية مهمة للقوات المسلحة السودانية، وعلى شكل مواقف سياسية واضحة مع الشرعية السودانية في المحافل الدولية، وعلى شكل اتصالات مع دول الإقليم ودول العالم تحث على حجب المساعدة والدعم عن قوات الدعم السريع، وفي هذا الإطار فإنّ جمهورية مصر العربية مُطالبة أكثر من غيرها بدور كبير بل وحاسم في الوقوف إلى جانب الشرعية السودانية قولاً وفعلاً. إن أمن مصر والسودان متصلان، ولذا فإن أيّ تطور سلبي يحدث في السودان ينعكس بالضرورة على أمن مصر.
إنّ بعض المُحللين يُسطّحون موضوع الأزمة السودانية ويصورونها وكأنها صراع بين جنرالين: البرهان ودقلو، والواقع هو أن الموضوع أكثر من ذلك. إنه في الواقع مستقبل الدولة السودانية وشرعيتها، ولذا فإن المطلوب وبالذات من الدول العربية هو الوقوف الواضح والحاسم والفاعل إلى جانب الشرعية، ولعلّ الدليل على هذه الرؤية الصحيحة للأمور هو أن تبدّل أسماء قادة الطرفين (البرهان ودقلو) - لو حدث - لن يغير من حقيقة الصراع شيئاً إذْ سيظل الطرف الأول هو القوات المسلحة السودانية التي تمثل الدولة، وسيظل الطرف الثاني هو "قوات الدعم السريع"، الذي يمثل فصيلاً يُفترض أن يكون تابعاً للقوات المسلحة السودانية.
إن من الأهمية بمكان في ظل الأزمات أن تكون الرؤية واضحة، والسياسات المترتبة عليها واضحة أيضاً، وإذا كان الأمر كذلك فهل آن الأوان لكي تتحرك الدول العربية في هذا الاتجاه تعويضاً عن دورها المفقود حتى الآن!

مدار الساعة ـ نشر في 2023/08/19 الساعة 18:04