الطاقة النووية (4).. محددات استخدام وامتلاك القدرات النووية

الدكتور علي المر
مدار الساعة ـ نشر في 2023/08/18 الساعة 22:46
تحدثنا في المقال السابق عن نظام الضمانات الدولي بحسبه أحد محددات امتلاك القدرات النووية؛ وهو مجموعة متداخلة من الاتفاقيات والالتزامات والإجراءات تنفذها الأمم المتحدة من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لمنع استخدام المشروع النووي في إنتاج السلاح النووي، أو كما يسمونه منع انحراف المشروع عن أهدافه (السلمية) المعلنة. وفي هذا المقال، وما بعده، سنتحدث عن التمويل كمحدد ثان لامتلاك هذه القدرات؛ ونبدأ بالسلاح النووي؛ أو الإمكانيات النووية العسكرية؛ ولا فرق بين الذري أو النووي، إذ الاستخدام الأول هو الدارج مع أنه خطأ لغوي.
يقصد بالسلاح النووي، تحديداً، تلك الأنواع من القنابل النووية التي يعتمد مبدأ عملها على ظاهرتي الانشطار والاندماج النوويين! غير أن المفهوم السائد (وبخاصة لدى العامة) أن الأسلحة النووية تشمل، علاوة على ما سبق، كل أنواع الوسائل القتالية التي تستخدم الإشعاع كوسيلة لتدمير الحياة والبيئة؛ بغض النظر عن مصدر الإشعاع، سواء كان من الانشطار أو الاندماج أو غيرهما من تفاعلات. وتقاس أهمية السلاح بقوة التفجير الذي يحدثه، والتي تقدر بوحدة تسمى كيل طن (1000 طن)، وهي القدرة الانفجارية لكمية تعادل 1000 طن من مادة ثلاثي نيتروجين التُلوين الشديدة الانفجار (المعروف اختصارًا بال "تي إن تي)؛ وتتراوح القدرة التفجيرية للقنابل الانشطارية بين أقل من 1 كيلو طن، في القنابل التكتيكية و500 كيلو طن في القنابل الكبيرة ويتوقع أكثر من ذلك في الترسانات النووية الحديثة. ومن المعلوم أن هنالك أنواعًا مختلفة من السلاح النووي، وفق آلية إنتاج الإشعاع ونوع التفجير والمواد المستخدمة. ومن أشهرها: الأسلحة التي يقوم مبدأ عملها على تفاعل الانشطار النووي الذي يحصل في ذرة ثقيلة مثل اليورانيوم- 235 والبلوتونيوم- 239 (الرقم يدل على الوزن الذري أو الكتلي للعنصر) فيؤدي إلى انقسامها وإطلاق كمية من الطاقة والحرارة والإشعاع؛ وتلك التي يقوم مبدأ عملها على الاندماج النووي الذي يحصل بين ذرتي مادة خفيفة مثل الهيدروجين- 1؛ فتتكون ذرة أثقال وكمية من الطاقة والإشعاع.
تحتاج القنابل الانشطارية إلى آلية تفجير، وهي إما ميكانيكية (هندسية) أو كيميائية (تفجير)؛ وتحتاج القنبلة الإندماجية إلى قنبلة انشطارية (في قلبها) لتولد الحرارة اللازمة لحصول التفاعل الاندماجي؛ وقد تتكون من عدة مراحل.
لا تتوفر بيانات متاحة عن الكلف المالية للاستثمار في مجال بناء القدرات العسكرية وهي صعبة التنبؤ بها. غير أن الانطباع العام أن هذا النوع من الاستخدامات النووية مكلف جدًا ومستنفد للوقت والجهد والطاقة. وباستثناء ما يسمى القنابل القذرة، وهي متفجرات عادية تخلط مادتها المتفجرة بفضلات مشعة من بقايا الصناعات والمفاعلات النووية؛ وأعتدة وذخائر اليورانيوم المنضب، أو المستنزف (وهو اليورانيوم المتبقي من عملية تخصيب اليورانيوم والذي يستخدم في صناعة الدروع وبعض الذخائر من أعيرة مختلفة) فإن الاستثمار في المجال العسكري، يتطلب كلفًا مباشرة تقدر بمليارات- إلى عشرات المليارات من الدنانير، وأكثر حسب طبيعة البرنامج ونوع المنتج، من القنابل النيترونية إلى القنابل الهيدروجينية أو متعددة الأطوار. كما يتطلب كلفًا غير مباشرة لإنشاء منظومة واسعة ومكلفة جدًا من الصناعات الرديفة والداعمة والبنى التحتية المتطورة، كما سنرى لاحقًا في حالة صناعة الوقود النووي ومحطات توليد الطاقة.
إن حجم الاستثمار الكبير لهذا النوع من استخدامات الطاقة النووية، وعدم توفير فرص تمويل أو مشاركة، بسبب حساسيته، فهو من شأن الدول الراغبة في امتلاك القدرات العسكرية، والتي عادة ما تطرق هذا المجال دون النظر لعوامل الربح والخسارة المالية. وبأي حال فهو خارج إطار الاهتمام، بالنسبة لنا، بقدر ما أعرف، وما تمليه جدوى الخيارات، التي تعمل لصالح الاستثمار في الجانب المدني أو استخدامات الطاقة النووية السلمية؛ كما سنرى لاحًقا، في هذه السلسلة من المقالات.
مدار الساعة ـ نشر في 2023/08/18 الساعة 22:46