أم قطين وأيل والقويرة
مدار الساعة ـ نشر في 2017/01/02 الساعة 23:41
سيف الله حسين الرواشدة
أغرب ما قد يوقظك من نومك هو الجوع، فالشّعور بالظّلم أو الحرمان تغلبه حاجة الأقدام المتعبة إلى النوم. كنت أنظر إليه و هو يستيقظ، يده على بطنه، يهرع إلى صاج أمّه و طابونها و قمحنا الأجنبيّ عن ترابنا، يلبس بعد لقيمات الخبز المغمّس بما حضر من المونة ثياب أخيه المدرسيّة، التي لا تريد أن تكون على مقاس أحد، فهي إمّا ضيّقة أو واسعة لكنّها في كل القرية تجتمع على أن تكون بالية. هو لا يخجل من حذائه الرّث و كل أقدام أقرانه مغبرة، يمشون إلى المدرسة وليس في ركابهم إلا مكائد الطفولة و قصص أخبار القرية ممّا سمعوه من أحاديث الكبار و نشرة الثّامنة، التي تكلّم فيها المذيع عن خطط الحكومة لمكافحة جيوب الفقر و النّهوض بالتّعليم و منتجاته.
مدرستهم ممّن نهض بها، ففيها أجهزة حاسوب و تنتظر كاميرات تبثّ مباشرة أحداث يومهم إلى العاصمة، تبثّ وقوفهم و ضحكاتهم أمام العلم و النّشيد، و خشوعهم المصطنع أمام الفاتحة، تبثّ الوحدة التي لم تتحقق لأمّتي إلا في توحّد الصّف الّرابع و الخامس و السادس في غرفة واحدة. و في حصّة مكافحة الإرهاب لمّا أخبرهم الأستاذ عن الفئة الضّالة الباغية، و أنّ الفقر و الجهل قد دفع بهم لقتل النّاس تقرّبًا لربّ الناس، ضحك الأطفال و قالوا : ليس في قرى هؤلاء مدرسةٌ و مسجدٌ ولا طابون و لا بيض و برغل.
غدّا امتحان التّربية الوطنيّة، التي يتقنها أطفال القرية جدًّا، جلس و قد أتعب أمّه شقاوةً و ضحكًا،جلس يسمّع لها: أنّ جيوب الفقر في الأردن كثيرة منتشرة في شماله و جنوبه و شرقه، بعيدًا عن عمّان الغربية، و دخل الفرد في هذه الجيوب لا يتجاوز في 70% من الأحوال راتب أبيه، 150 دينارًا لاغير. ثمّ أخرج جيب بنطاله مازحًًا و قال: هذه جيبٌ مرقعة. صاحت به أمّه ليكمل التسميع حتّى يجد مقعدًا جامعيًا في عمّان للأقل حظًا، ليرانا و نحن نناقش قطبيّة العالم السّياسية و الخطط الماسونية و الاقتصادية، و القضاء على الطّبقية، و عبثيّة التاريخ و الماركسيّة، يقاطعنا للنّظر إليه لننظر إلى وجه الفقر و العوز، وجه هموم الوطن، و نشيح عنه لنكمل ما كنّا فيه بدعوى الثقافيّة و النّضال والنخبويّة. و تبقى 150 ديناراً وسماً تنتقل من ابن حرّاث لابن حرّاث، حصل على العلامة الكاملة في امتحان الوطنية.
أغرب ما قد يوقظك من نومك هو الجوع، فالشّعور بالظّلم أو الحرمان تغلبه حاجة الأقدام المتعبة إلى النوم. كنت أنظر إليه و هو يستيقظ، يده على بطنه، يهرع إلى صاج أمّه و طابونها و قمحنا الأجنبيّ عن ترابنا، يلبس بعد لقيمات الخبز المغمّس بما حضر من المونة ثياب أخيه المدرسيّة، التي لا تريد أن تكون على مقاس أحد، فهي إمّا ضيّقة أو واسعة لكنّها في كل القرية تجتمع على أن تكون بالية. هو لا يخجل من حذائه الرّث و كل أقدام أقرانه مغبرة، يمشون إلى المدرسة وليس في ركابهم إلا مكائد الطفولة و قصص أخبار القرية ممّا سمعوه من أحاديث الكبار و نشرة الثّامنة، التي تكلّم فيها المذيع عن خطط الحكومة لمكافحة جيوب الفقر و النّهوض بالتّعليم و منتجاته.
مدرستهم ممّن نهض بها، ففيها أجهزة حاسوب و تنتظر كاميرات تبثّ مباشرة أحداث يومهم إلى العاصمة، تبثّ وقوفهم و ضحكاتهم أمام العلم و النّشيد، و خشوعهم المصطنع أمام الفاتحة، تبثّ الوحدة التي لم تتحقق لأمّتي إلا في توحّد الصّف الّرابع و الخامس و السادس في غرفة واحدة. و في حصّة مكافحة الإرهاب لمّا أخبرهم الأستاذ عن الفئة الضّالة الباغية، و أنّ الفقر و الجهل قد دفع بهم لقتل النّاس تقرّبًا لربّ الناس، ضحك الأطفال و قالوا : ليس في قرى هؤلاء مدرسةٌ و مسجدٌ ولا طابون و لا بيض و برغل.
غدّا امتحان التّربية الوطنيّة، التي يتقنها أطفال القرية جدًّا، جلس و قد أتعب أمّه شقاوةً و ضحكًا،جلس يسمّع لها: أنّ جيوب الفقر في الأردن كثيرة منتشرة في شماله و جنوبه و شرقه، بعيدًا عن عمّان الغربية، و دخل الفرد في هذه الجيوب لا يتجاوز في 70% من الأحوال راتب أبيه، 150 دينارًا لاغير. ثمّ أخرج جيب بنطاله مازحًًا و قال: هذه جيبٌ مرقعة. صاحت به أمّه ليكمل التسميع حتّى يجد مقعدًا جامعيًا في عمّان للأقل حظًا، ليرانا و نحن نناقش قطبيّة العالم السّياسية و الخطط الماسونية و الاقتصادية، و القضاء على الطّبقية، و عبثيّة التاريخ و الماركسيّة، يقاطعنا للنّظر إليه لننظر إلى وجه الفقر و العوز، وجه هموم الوطن، و نشيح عنه لنكمل ما كنّا فيه بدعوى الثقافيّة و النّضال والنخبويّة. و تبقى 150 ديناراً وسماً تنتقل من ابن حرّاث لابن حرّاث، حصل على العلامة الكاملة في امتحان الوطنية.
مدار الساعة ـ نشر في 2017/01/02 الساعة 23:41