اغتيال الخوف
مدار الساعة ـ نشر في 2023/08/07 الساعة 03:50
لاحظوا معي جيدا, حين تعلن إسرائيل عن عملية.. فإنها تصر على ترك الشهيد مستلقيا على الشارع, وتصر على عرض الدماء.. ومشهد جنودها وهم يفتشون جسده وما حوله, إسرائيل لا تعرض تفاصيل العملية.. بل تعرض المقطع الأخير فقط, هم أهل الخبث.. فقط الغاية من كل ذلك هي بث الخوف, وأن يخبرونا بأن هذا هو مصير كل مناضل فلسطيني.
إسرائيل تغلق المنطقة كلها, لكنها تترك الكاميرات كي تصور, وأحيانا أشك بأنهم هم.. من يسكبون مزيجا أحمر تحت رأسه كي يظهر في الصورة أن دمه قد غطى المكان.. والمشكلة أن الإعلام العربي يقع في شباك الصورة, هم يريدون منا أن نقول: (يا حرام).. يريدوننا أن نرتعب.
أصلا هو ذهب ليستشهد, هو يتوقع هذا الصورة لأنه شاهد الرفاق قبله.. هو رسم كل شيء في ذهنه, ويقال أن اخر ما يسمعه الشهيد.. هو ضربات قلبه وهي تخبو رويدا رويدا.. واخر ما تراه العيون: صورة أمه... يقال أنها تأتيه مبتسمة, وتمسح الجبهة الغراء وربما تذرف دمعة من عينها... هو في اللحظة التي يودع فيها الحياة, يعود به شريط الذكريات... إلى الجدائل والزيتون ورائحة (المسخن) ونداء الجدة, وربما.. قلت ربما, يأتيه الأب.. ويقف فوق رأسه, يودعه بدموع من الرضا.. ويمسح رأسه بكف من الحنان..
إسرائيل غبية تظن أنها تخيفنا بهذه الصور, هم لا يعرفون أن الشهقات التي يطلقها.. ليست مرتبطة بصعود الروح من الجسد, بل هي شهقات الفرح فما تراه عيونه غير ما نراه نحن.. ربما يرى الشهداء قد جاءوا كلهم لاحتضانه, ربما يرى الغيمات قد نزلن إلى أرض فلسطين كي تقوم واحدة منهن بنثر برودتها على محياه, هو يحتاج للقليل من النسيم العذب.. ويحتاج لشربة ماء ويحتاج لأن يودع مسدسه, ويودع التراب والمدى.
أنا لا تخيفني الصورة أبدا, هم أصلا لا يجرأون أن يعرضوا صور قتلاهم, لكنهم يتركون للكاميرا حرية أن تعرض صور الشهداء... ويتركون لي أن أتأمل الجسد الطاهر المسجى, وأسأل نفسي كثيرا يا ترى ماهي اخر كلمة قالها..؟ هل نطق الشهادة بصوت مرتفع؟.. أتمنى لو أني كنت قريبا منه قليلا لخلعت فردة الحذاء اليمنى من قدمه وخبأتها كأعلى وسام أتلقاه في حياتي, لوكنت قريبا منه ربما.... للمست صدره وتحسست اخر نبضات قلبه, لو كنت قريبا منه لتفقدت مكان الرصاصة.. وشممت دمه, رأئحة دمه أحلى من ياسمين الشام.. وأحلى من ورد تطوان.. رائحة دمه أش?ى من تمر الجزيرة.. لو كنت قريبا منه ربما قبلت يده, وربما مسحت قطرات العرق عن جبهته.. ربما.
قلت لاحظوا معي, هم لا يعرضون صور قتلاهم, لكنهم يتركون كل الكاميرات تصور جسد الشهيد, تصور جنودهم وهم يقلبون ويتفقدون جيوبه, تصور دمه الخضيب.. ويعتقدون أنهم ربما عبر الصورة سيخيفوننا..
إسرائيل للان لم تستطع أن تدرك, بأن الفلسطيني قد اغتال الخوف منذ زمن بعيد.. أجهز عليه تماما.. لم يعد في قاموسه أي مصطلح يتعلق بالخوف, هم بالمقابل اغتالوا أحلى شبابنا.. ولكن مع كل اغتيال يكبر خوفهم أكثر, وأكثر وأكثر.
Abdelhadi18@yahoo.com
إسرائيل تغلق المنطقة كلها, لكنها تترك الكاميرات كي تصور, وأحيانا أشك بأنهم هم.. من يسكبون مزيجا أحمر تحت رأسه كي يظهر في الصورة أن دمه قد غطى المكان.. والمشكلة أن الإعلام العربي يقع في شباك الصورة, هم يريدون منا أن نقول: (يا حرام).. يريدوننا أن نرتعب.
أصلا هو ذهب ليستشهد, هو يتوقع هذا الصورة لأنه شاهد الرفاق قبله.. هو رسم كل شيء في ذهنه, ويقال أن اخر ما يسمعه الشهيد.. هو ضربات قلبه وهي تخبو رويدا رويدا.. واخر ما تراه العيون: صورة أمه... يقال أنها تأتيه مبتسمة, وتمسح الجبهة الغراء وربما تذرف دمعة من عينها... هو في اللحظة التي يودع فيها الحياة, يعود به شريط الذكريات... إلى الجدائل والزيتون ورائحة (المسخن) ونداء الجدة, وربما.. قلت ربما, يأتيه الأب.. ويقف فوق رأسه, يودعه بدموع من الرضا.. ويمسح رأسه بكف من الحنان..
إسرائيل غبية تظن أنها تخيفنا بهذه الصور, هم لا يعرفون أن الشهقات التي يطلقها.. ليست مرتبطة بصعود الروح من الجسد, بل هي شهقات الفرح فما تراه عيونه غير ما نراه نحن.. ربما يرى الشهداء قد جاءوا كلهم لاحتضانه, ربما يرى الغيمات قد نزلن إلى أرض فلسطين كي تقوم واحدة منهن بنثر برودتها على محياه, هو يحتاج للقليل من النسيم العذب.. ويحتاج لشربة ماء ويحتاج لأن يودع مسدسه, ويودع التراب والمدى.
أنا لا تخيفني الصورة أبدا, هم أصلا لا يجرأون أن يعرضوا صور قتلاهم, لكنهم يتركون للكاميرا حرية أن تعرض صور الشهداء... ويتركون لي أن أتأمل الجسد الطاهر المسجى, وأسأل نفسي كثيرا يا ترى ماهي اخر كلمة قالها..؟ هل نطق الشهادة بصوت مرتفع؟.. أتمنى لو أني كنت قريبا منه قليلا لخلعت فردة الحذاء اليمنى من قدمه وخبأتها كأعلى وسام أتلقاه في حياتي, لوكنت قريبا منه ربما.... للمست صدره وتحسست اخر نبضات قلبه, لو كنت قريبا منه لتفقدت مكان الرصاصة.. وشممت دمه, رأئحة دمه أحلى من ياسمين الشام.. وأحلى من ورد تطوان.. رائحة دمه أش?ى من تمر الجزيرة.. لو كنت قريبا منه ربما قبلت يده, وربما مسحت قطرات العرق عن جبهته.. ربما.
قلت لاحظوا معي, هم لا يعرضون صور قتلاهم, لكنهم يتركون كل الكاميرات تصور جسد الشهيد, تصور جنودهم وهم يقلبون ويتفقدون جيوبه, تصور دمه الخضيب.. ويعتقدون أنهم ربما عبر الصورة سيخيفوننا..
إسرائيل للان لم تستطع أن تدرك, بأن الفلسطيني قد اغتال الخوف منذ زمن بعيد.. أجهز عليه تماما.. لم يعد في قاموسه أي مصطلح يتعلق بالخوف, هم بالمقابل اغتالوا أحلى شبابنا.. ولكن مع كل اغتيال يكبر خوفهم أكثر, وأكثر وأكثر.
Abdelhadi18@yahoo.com
مدار الساعة ـ نشر في 2023/08/07 الساعة 03:50