فطبول سعودي
لا يوجد بحوزتي (فهرس) لمقالاتي في الدستور وغيرها، ولو وُجد لأشرت لعناوين مقالات كتبتها، وتم نشرها، تضمنت انتقادات لعدم انخراط المال العربي، في مجال الاستثمار بالرياضة، وبكرة القدم على وجه التحديد، فهذا الشغف الكامن لدى الشباب حول العالم بتلك اللعبة ومعانيها، والمكبوت في قلوب الشباب بل الشعوب العربية، والذي يظهر متوقدا أثناء بعض البطولات، ثم يخبو بعد انتهائها وخيباتها، جدير بالاهتمام من قبل رجال المال والأعمال، فهو يشكل استثمارا كبيرا في الغرب كله، وعلى كل هوامشه تتنامى ثقافات وضخ تنويري غير مقصود، لكنه يسوق قارات بأكملها، ويروجها سياحيا وفكريا وثقافيا.. كتبت أكثر من مرة متسائلا متأملا متألما: لماذا لا يتنافس المال العربي بالاستثمار برياضة كرة القدم؟.. ويبدو أننا أصبحنا اليوم نسير على بداية تحقق هذه الأمنية، بفضل السعودية الشقيقة.
لا أدعي المعرفة او حتى العلم، إن كانت هناك رؤية سعودية معلنة للاستثمار داخل السعودية بكرة القدم، حتى وإن وجدت فلا يمكنني الجزم بأنها ذات أبعاد قومية مرسومة سلفا، كتلك التي فعلتها الشقيقة قطر، ولمسناها في أيام معدودات أثناء بطولة كأس العالم السابقة، وحتى لو لم تتضمن الاستراتيجية السعودية التي ينفذها تركي آل الشيخ، تحقيق أهداف قومية كبيرة لها علاقة بالهوية العربية، فهي لا محالة تحصيل حاصل، سوف تتحقق بلا ترتيب مسبق ولا تنظير فكري أو فلسفي.
أكثر الأخبار والأحداث متابعة حول العالم، هي أخبار كرة القدم، وأخبار نجومها، والصحفيون يدركون تماما أن معلومات كثيرة يحملها الخبر والصورة والفيديو، بلا ترتيب او رغبة من كاتب او مصور او محلل الخبر والصورة والحدث، وهذا ما يفهمه المعلن الذكي، والاستراتيجي بعيد النظر.
انتقال مجموعة من نجوم العالم في كرة القدم، إلى اللعب في الأندية السعودية، هو بحد ذاته حدث كبير مرعب بالنسبة لأوروبا، ومثير على صعيد العالم، وكل الميديا، ويمكنك ان تتوقع ان ما مجموعه «مليارات» من المشاهدات والمتابعات والتعليقات، و»الانطباعات» تحدث يوميا على هامش خبر انتقال نجم كروي الى ناد في السعودية، وبعدها تتدحرج كرة الثلج، وتتلاحق المشاهدات والمتابعات والأهم «الانطباعات»، وبشكل تلقائي، ستتراكم ثقافة وصور جديدة في أذهان الصغار والكبار من مختلف الثقافات حول العالم، وكلها تعزز الهوية السعودية والعربية، وتتنامى المعادلة، لتتمخض عن «امبراطورية» اقتصادية جديدة، ولا بد ستتدخل الثروات الشخصية الخاصة والشركات في السعودية والخليج العربي وحول العالم، ووسائل الإعلام والدعاية، وتتحالف، في تنافسيات اقتصادية جديدة، كانت بدايتها طريفة ونادرة، وهي مجرد انتقال لاعب مشهور في أوروبا والعالم، ليلعب في ناد سعودي.
لو أجريت دراسة بسيطة عن اهتمامات العرب في العام الأخير، على مستوى الاخبار او الفيديوهات والأحداث التي يتابعونها، لوجدت أكثر من 50% منهم، يتابعونها في مجال كرة القدم واخبار نجومها، وبنسبة ستزيد عن 50% مما يتابعون ويقرأون عبر الميديا بكل أشكالها..
كرة القدم السعودية، وبغض النظر عن مستواها الحالي، ستتطور، وستغدو «المنصة» الكبرى التي تروج للعرب والعروبة وثقافتها وهويتها، وهذا أمر لم يكن ليحدث، إلا من خلال هذه اللعبة، التي تحظى باهتمام غالبية عظمى من مواطني الكوكب .. وعلى صعيد اللعبة نفسها، سيجد العرب مستواهم اللائق، بعد أن تتجذر الإثارة في نفوس الشباب العربي.
المسألة ليست مجرد دفع مال لتوقيع عقد مع لاعب عالمي، بل هي في الحقيقة انبلاج عهد جديد للتفكير العربي .