كنّا نهاجر كي نعيش، واليوم لننجو!
مدار الساعة ـ نشر في 2023/07/29 الساعة 21:20
لا أتكلم هُنا عن طبقة العاطلين عن العمل، أو قطاع الشباب المُحمل بالألم، الفاقد لأي بصيص من أمل، ولا أُشير إلى أولئك المُتعثرين أو الغارمات، أو التجار الذين يقفون على حافة الخوف من تقاعد قسري، جراء أوضاع اقتصادية، بدأ الجميع يئن من نيرانها.
إنما ما قصدته أولئك الذين يملكون قلمًا وفكرًا ووعيًا، وخوفًا على أوطانهم، وذلك بعد أن أقدم مجلس النواب على إقرار مشروع قانون الجرائم الإلكترونية، على عجل، وخلال أقل من ست ساعات، تمامًا كما فعلت الحُكومة، إذ أن عملية مُناقشة وإقرار المشروع، من قبل مجلسي الوزراء والنواب، لم تستغرق بمُجملها عشر ساعات.قبل عدة أعوام كان هُناك قلة من الأردنيين، يطلبون الهجرة ويسعون إليها، بكُل ما أوتوا من قوة، طلبًا لرزق، أو علم، أو تحسين معيشتهم وأفراد عائلاتهم.. أما اليوم، وبعد إقرار مشروع "تكميم الأفواه والحُريات"، فمن البديهيات أن يدفع ذلك الكثير لطلب الهجرة، بُغية النجاة بأنفسهم، هربًا من إرهاصات "الجرائم الإلكترونية"، والذي سلبياته تفوق وبكثير إيجابياته.. فالهجرة أصبحت أو ستُصبح مطلبًا للنجاة!.مجلس النواب كان شريكًا أساسيًا في إقرار مشروع قانون، هدفه الأساس "تكميم الأفواه والحُريات"، فخلال جلستين في يوم واحد، صباحية ومسائية، وأقل من ست ساعات، أقر المجلس القانون مع إجراء تعديلات طفيفة عليه، لا تكاد تُذكر.الغريب في الأمر، كأنه ليس هُناك رجل رشيد، أو آذان صاغية، أو أعين يُبصر بها، جراء ما يُحاك ضد هذا البلد، وكأنهم يُريدون تفريغه من أبنائه، بأي طريقة ووسيلة.. عندما يتم وضع الأردن في مكان مُتأخر فيما يُعرف بمؤشر الحُريات، فذلك سبب رئيس للكثير من الأردنيين، سياسيين واقتصاديين وباحثين وأساتذة علم وخُبراء، يجعلهم يفكرون مليًا أو جديًا بالرحيل أو ما يُسمى "الهجرة".نعم، هجرة ستكون مطلبًا لأغلبية الشعب الأردني، يُريدونه بلا لسان ينطق بالحق، فحتى وقت الأحكام العُرفية، كان هُناك أصوات تصدح بالحق، وتنتقد بشكل بناء، في سبيل إحقاق الحق، أو رفع ظُلم، أو تغيير سياسات وإجراءات.الغريب، أن مجلس النواب ومن قبله الحُكومة، بفعلتهم تلك، يُطبقون على آخر نفس للمواطن، الذي يُعاني الأمرين في حياته المعيشية.. فكيف سيقنعونه بالبقاء في الوطن والدفاع عنه وحمايته، وهم في نفس الوقت يُقيدون حريته في الرأي والتعبير؟، والخوف من أن تكون هذه أولى خطوات "الإطباق" على المواطن بجميع النواحي.عندما تُكمم الأفواه والحُريات، فإن ذلك سيعود بآثار سلبية على المواطن، ليس له طاقة على تحملها.. فالخطوة التي أقدمت عليها الحُكومة ومجلس النواب، تُشجع على الهجرة إلى دول أُخرى، قد تكون عدوة أو صديقة، أو حتى لا تُحب الخير للأردن والأردنيين.المواطن سيُصبح الآن غير قادر على إبداء رأيه في موضوع ما، أو تقديم نصحية بقضية مُعينة، أو عدم استطاعته على التأشير على قضية فساد، أو انتهاك قانون أو تشريع.. وما يدق ناقوس الخطر هو أن يلجأ ذلك المواطن إلى دول أُخرى للتعبير عن ذلك، وهذا له تكلفة باهظة الثمن، غير قادر أيًا منّا من تحديد عواقبها!.للعلم، فإن النقد البناء، السليم، القائم على مُعطيات وأرقام واقعية، دليل لا لُبس فيه على تطور الدولة وتقدمها، لا بل ويُساهم، بطريقة أو أُخرى، بازدهارها، فمن خلال النقد الصادق يستطيع صانع القرار وضع يده على الجرح، وبالتالي اختيار الدواء المُناسب، بأقل الكُلف، أكانت مادية أم معنوية.ليس هُناك مُبالغة، عندما نقول بأن نسبة كبيرة ستُفكر في الأيام المُقبلة بالرحيل (الهجرة) بشكل جدي، خصوصًا أن "الجرائم الإلكترونية"، كان "كريمًا جدًا" في فرض الغرامات على المُخالف، على اعتبار المواطن "عدو لدود"، يُراد النيل منه ومن قوته وباقي أفراد أُسرته.. فهل يُعقل أن تصل قيمة الغرامات المالية بقضايا الحُريات إلى 20 ألف دينار، بينما قيمتها للمُتاجر بآفة المُخدرات، التي باتت مُتاحة لأبنائنا في مُعظم مناطق المملكة، لا تتعدى الـ5 آلاف دينار؟!.ثم أن "الجرائم الإلكترونية" يتناقض تمامًا مع الدستور الأردني، والذي يُعتبر مصدر التشريع، إذ أن المادة 15 منه تنص على: "تكفل الدولة حُرية الرأي، ولكل أردني أن يُعبر بحُرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير، بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون"... ومعلوم بأن مواد الدستور في أي دولة تسمو على أي قوانين أو تشريعيات أو مُعاهدات، أكانت محلية أم إقليمية.لكن الأمر لم ينته بعد، إذ يبقى الأمل معقوداً على مجلس الأعيان (الغرفة الثانية من السلطة التشريعية)، لعل وعسى أن ينظر بعين المُحب لوطن وأبنائه، الخائف على الحُريات، ويُنقذ ما يتم إنقاذه.
إنما ما قصدته أولئك الذين يملكون قلمًا وفكرًا ووعيًا، وخوفًا على أوطانهم، وذلك بعد أن أقدم مجلس النواب على إقرار مشروع قانون الجرائم الإلكترونية، على عجل، وخلال أقل من ست ساعات، تمامًا كما فعلت الحُكومة، إذ أن عملية مُناقشة وإقرار المشروع، من قبل مجلسي الوزراء والنواب، لم تستغرق بمُجملها عشر ساعات.قبل عدة أعوام كان هُناك قلة من الأردنيين، يطلبون الهجرة ويسعون إليها، بكُل ما أوتوا من قوة، طلبًا لرزق، أو علم، أو تحسين معيشتهم وأفراد عائلاتهم.. أما اليوم، وبعد إقرار مشروع "تكميم الأفواه والحُريات"، فمن البديهيات أن يدفع ذلك الكثير لطلب الهجرة، بُغية النجاة بأنفسهم، هربًا من إرهاصات "الجرائم الإلكترونية"، والذي سلبياته تفوق وبكثير إيجابياته.. فالهجرة أصبحت أو ستُصبح مطلبًا للنجاة!.مجلس النواب كان شريكًا أساسيًا في إقرار مشروع قانون، هدفه الأساس "تكميم الأفواه والحُريات"، فخلال جلستين في يوم واحد، صباحية ومسائية، وأقل من ست ساعات، أقر المجلس القانون مع إجراء تعديلات طفيفة عليه، لا تكاد تُذكر.الغريب في الأمر، كأنه ليس هُناك رجل رشيد، أو آذان صاغية، أو أعين يُبصر بها، جراء ما يُحاك ضد هذا البلد، وكأنهم يُريدون تفريغه من أبنائه، بأي طريقة ووسيلة.. عندما يتم وضع الأردن في مكان مُتأخر فيما يُعرف بمؤشر الحُريات، فذلك سبب رئيس للكثير من الأردنيين، سياسيين واقتصاديين وباحثين وأساتذة علم وخُبراء، يجعلهم يفكرون مليًا أو جديًا بالرحيل أو ما يُسمى "الهجرة".نعم، هجرة ستكون مطلبًا لأغلبية الشعب الأردني، يُريدونه بلا لسان ينطق بالحق، فحتى وقت الأحكام العُرفية، كان هُناك أصوات تصدح بالحق، وتنتقد بشكل بناء، في سبيل إحقاق الحق، أو رفع ظُلم، أو تغيير سياسات وإجراءات.الغريب، أن مجلس النواب ومن قبله الحُكومة، بفعلتهم تلك، يُطبقون على آخر نفس للمواطن، الذي يُعاني الأمرين في حياته المعيشية.. فكيف سيقنعونه بالبقاء في الوطن والدفاع عنه وحمايته، وهم في نفس الوقت يُقيدون حريته في الرأي والتعبير؟، والخوف من أن تكون هذه أولى خطوات "الإطباق" على المواطن بجميع النواحي.عندما تُكمم الأفواه والحُريات، فإن ذلك سيعود بآثار سلبية على المواطن، ليس له طاقة على تحملها.. فالخطوة التي أقدمت عليها الحُكومة ومجلس النواب، تُشجع على الهجرة إلى دول أُخرى، قد تكون عدوة أو صديقة، أو حتى لا تُحب الخير للأردن والأردنيين.المواطن سيُصبح الآن غير قادر على إبداء رأيه في موضوع ما، أو تقديم نصحية بقضية مُعينة، أو عدم استطاعته على التأشير على قضية فساد، أو انتهاك قانون أو تشريع.. وما يدق ناقوس الخطر هو أن يلجأ ذلك المواطن إلى دول أُخرى للتعبير عن ذلك، وهذا له تكلفة باهظة الثمن، غير قادر أيًا منّا من تحديد عواقبها!.للعلم، فإن النقد البناء، السليم، القائم على مُعطيات وأرقام واقعية، دليل لا لُبس فيه على تطور الدولة وتقدمها، لا بل ويُساهم، بطريقة أو أُخرى، بازدهارها، فمن خلال النقد الصادق يستطيع صانع القرار وضع يده على الجرح، وبالتالي اختيار الدواء المُناسب، بأقل الكُلف، أكانت مادية أم معنوية.ليس هُناك مُبالغة، عندما نقول بأن نسبة كبيرة ستُفكر في الأيام المُقبلة بالرحيل (الهجرة) بشكل جدي، خصوصًا أن "الجرائم الإلكترونية"، كان "كريمًا جدًا" في فرض الغرامات على المُخالف، على اعتبار المواطن "عدو لدود"، يُراد النيل منه ومن قوته وباقي أفراد أُسرته.. فهل يُعقل أن تصل قيمة الغرامات المالية بقضايا الحُريات إلى 20 ألف دينار، بينما قيمتها للمُتاجر بآفة المُخدرات، التي باتت مُتاحة لأبنائنا في مُعظم مناطق المملكة، لا تتعدى الـ5 آلاف دينار؟!.ثم أن "الجرائم الإلكترونية" يتناقض تمامًا مع الدستور الأردني، والذي يُعتبر مصدر التشريع، إذ أن المادة 15 منه تنص على: "تكفل الدولة حُرية الرأي، ولكل أردني أن يُعبر بحُرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير، بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون"... ومعلوم بأن مواد الدستور في أي دولة تسمو على أي قوانين أو تشريعيات أو مُعاهدات، أكانت محلية أم إقليمية.لكن الأمر لم ينته بعد، إذ يبقى الأمل معقوداً على مجلس الأعيان (الغرفة الثانية من السلطة التشريعية)، لعل وعسى أن ينظر بعين المُحب لوطن وأبنائه، الخائف على الحُريات، ويُنقذ ما يتم إنقاذه.
مدار الساعة ـ نشر في 2023/07/29 الساعة 21:20