'العطارات'.. ليست الوحيدة

سلامة الدرعاوي
مدار الساعة ـ نشر في 2023/07/27 الساعة 00:26

ليست اتفاقية "العطارات" الوحيدة التي سترتب على الخزينة أعباء مالية كبيرة، وليست الوحيدة التي ستلحق خسائر بالاقتصاد الوطني في حال بقاء سعر شراء الكهرباء على ما هو، وليست الوحيدة التي وُقعت بسرعة، وليست التي ما زالت نصوصها مختفية حتى عن بعض الجهات الرسمية مع كل أسف.

إذا ما دققت الحكومة في اتفاقيات أخرى مشابهة لها من حيث الأهمية الاقتصادية، سنجد أنها الأخرى لا تقل في خطورتها وتداعياتها المالية عن "العطارات"، فاتفاقيات الطاقة المتجددة مع 21 شركة لها أيضا تداعيات مالية كبيرة على الخزينة، وحاولت الحكومة مرارا أن تعيد النظر فيها، لكن بلا جدوى، لأن الوضع القانوني لها ضعيف.
اتفاقيات التجارة الحرة التي وقعتها الحكومات مع مختلف التكتلات الاقتصادية أيضا تسببت في ضغوط كبيرة على الاقتصاد الوطني، من خلال عدم التكافؤ في الموقف التفاوضي الذي أفضى في النهاية إلى عدم التوازن في العلاقات الاقتصادية بين الأردن، وتلك التكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية.
رغم وجود اتفاقية الشراكة الأوروبية المتوسطية التي وقعها الأردن في عام 1997، إلا أنه وبعد مرور كل تلك السنوات، ما يزال الأردن يعاني من صعوبات في التصدير إلى أوروبا، وهو ما يفسر العجز التجاري الكبير معهم الذي يصل إلى حوالي 4 مليارات دولار لصالحهم.
هناك عدة تحديات تواجه الصادرات الأردنية من أهمها الامتثال لمتطلبات الجودة والسلامة والمواصفات الفنية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، حيث يتطلب تصدير المنتجات إلى أوروبا الامتثال لمعايير صارمة ومفصلة وتقنية في العديد من القطاعات، مما يحتاج إلى استثمارات إضافية في البنية التحتية وتكنولوجيا المعلومات وتحسين جودة المنتجات، ناهيك عن وجود قيود ورسوم جمركية يفرضها الاتحاد الأوروبي على بعض المنتجات الأردنية مثل المنتجات الزراعية والأغذية. هذه الرسوم تجعل المنتجات الأردنية أقل تنافسية في السوق الأوروبي.
علاوة على ذلك، الأردن يواجه منافسة شرسة من دول أخرى في التصدير إلى أوروبا، مما يزيد من صعوبة دخول منتجاته الأسواق الأوروبية وتسويقها بشكل فعال.
والأمر لا يختلف كثيرًا بالنسبة لاتفاقية التجارة الحرة العربية، حيث يعاني الأردن من صعوبات في التصدير إلى الدول العربية؛ بسبب القيود الجمركية والمواصفات الفنية التي يجب على المنتجات الأردنية الامتثال لها، بعض الدول العربية تفرض رسومًا جمركية عالية، أو تفرض حظرًا على بعض المنتجات الأردنية، مما يجعلها غير تنافسية في هذه الأسواق، ناهيك عن الإجراءات الحمائية التي تتخذها العديد من الدول العربية لحماية منتجاتها بشكل مباشر وغير مباشر.
حتى اتفاقية التجارة الحرة مع أميركا، فرغم أن الميزان التجاري يميل إلى صالح الأردن، إلا أن غالبية الصادرات الأردنية هي من قطاع المنسوجات، في حين أن باقي الصادرات تواجه عقبات كبرى في النفاذ إلى السوق الأميركي، لكن يظل الأمر مختلفًا في هذا الجانب لكون الولايات المتحدة الأميركية هي أكبر مقدم للمساعدات الخارجية للمملكة.
نعم، للأسف، الأردن يعاني من ظلم كبير في الاتفاقيات الاقتصادية الدولية. يتم تحميل الأردن بالعديد من الالتزامات التجارية دون الحصول على مستوى مقابل يلائم حجم التحديات التي يواجهها الاقتصاد الأردني.
الاتفاقيات السابقة وغيرها عشرات من التفاصيل التي اكتشفت الحكومات فيما بعد أنها غير متوازنة ولها تداعيات على الاقتصاد الوطني.
كثيرة هي حالات الغبن التي أوقع المفاوض الأردني المملكة فيها، والتي اكتشفت عند التطبيق أو المراجعة. ولكن المحصلة كانت صعبة في إعادة التقييم والتعديل، لأنها اتفاقات دولية وقعت برضا الطرفين وفق شروط واضحة، مع كل أسف."

مدار الساعة ـ نشر في 2023/07/27 الساعة 00:26