زمن القايش

زمان كان (للسرسرة) معنى عميق, فحين تقول جارة من جاراتنا: (عبدالهادي سرسري) تشعر أن للكلمة وقعا يشبه خبر انفجار طائرة في الجو... اتذكر أن أحدهم قد جاء لأبي, وقال له بعد الصلاة وعلى رؤوس الأشهاد: (يا حج ابنك سرسري), بالطبع الأمر كان يستوجب من أبي معرفة التفاصيل والأسباب, وقراءة الرسالة التي ضبطت على سور المنزل.. ومقارنة الخطوط وما إلى ذلك, ثم يأتي القايش في المرحلة الأخيرة للعقاب.
وبالفعل تبين أن الرسالة لي, والمقصودة في الرسالة كانت صبية في الصف الثالث الإعدادي (مترك)... ويبدو أنها تأخرت عن التقاطها فوقعت في يد أحد أفراد العائلة, هذا الأمر استدعى مني أخذ احتياطات أمنية مكثفة لأن بعض الحساد كانوا (ناوين علي)..كنت أمر من زواريب الحارات واسمع النساء يتهامسن: (هيو السرسري..الهامل), ويوجد سيدة اسمها (ام يعقوب) وصفتني: (بالداشر).. هذا أدى إلى تعاطف زمرة من الصبية معي, كانوا يأتون إلي كي يشاهدوا اثار (القايش).. حتى أن أحدهم كذبني وقال لي: (هاي ضربة بربيش مو قايش).. اعتمادا على خبراته في (الرفش)..لم نكن نعرف (المياصة), وأنا كنت من جيل خرج للحياة مثل النخل تماما, الأرض مشبعة بالملح والماء شحيح لكن الصعود لفوق كان منهجنا.... واتذكر أني واظبت مثلا على تعليم مجموعات من الصبية (التدخين) والحبزمان كنت أخرج وأعود ولا أحد يسألني أين ذهبت ومن أين جئت... حتى أنني في حياتي التي مضت لم ادفع فلسا واحدا في باصات مؤسسة النقل العام, الأمر بسيط فقد كنت أصعد من الباب الخلفي... وياما جمعت من صبية الحي النقود لأجل شراء (طابة) جديدة ولم أفعل, وياما أقنعنا حمودة بالذهاب لبيتهم.. وإحضار (الهريسة), كانت أمه محترفة في صنع (الهرايس)..أحزن على هذا الجيل كثيرا, لأنهم لم يعرفوا معنى القايش...صار انقطاع النت عندهم أكبر عقاب, في حين أن انقطاع القايش على أجسادنا أثناء عقاب حاد استدعى تدخل كافة المرتبات في العائلة للإنتقام منك.. كان يعتبر مجرد تكتيك بسيط لأخذ قسط من الراحة فقط.رحم الله زمن القايش