4 أمثلة.. حسن النوايا.. لا يبرر سوء التصرف

محمود الدباس
مدار الساعة ـ نشر في 2023/07/21 الساعة 14:03

قاعدة ذهبية لا يمكن التغاضي او التغافل عنها.. ولا يمكن ان نغمض العين عن ان لكل مجتمع او بيئة عاداتها وتقاليدها.. ولا يمكن ان ننسى او نتناسى ان هناك مبادئ وقيماً انغرست في تكوين الفرد والجماعات.. والانتباه لها مِن قبل الاطراف جميعها.. هو واجب يجب علينا وضعه نصب اعيننا في كل همسة او ايماءة او تصرف..

اشتكى لي صديقي "النَخوَجي" والذي يسكن في احدى العمارات ذات الشقق الطابقية.. من ردة فعل جاره الذي يسكن الطابق الاسفل منه.. تجاه محاولته فهم ما يدور عنده من تكسير وصخب وعراك.. فعندما سمع صديقي تلك الجلبة في بيت جاره.. وظن ان الامر زاد عن حده.. ما كان منه الا ان نزل تلك الادراج الفاصلة.. وتريث قليلا قبل ان يهمّ بقرع الجرس.. واذا بجاره يتخذ قرار مغادرة البيت في تلك اللحظة.. حتى لا تتسع وتتفاقم حدة الشجار مع زوجته.. وفتح الباب واذ بصديقي يقف امامه.. فما كان من ذلك الجار إلا ولَكَمَ صديقي بقوة.. متزامنا مع كيل العديد من العبارات القاسية.. من سب وشتم.. على غرار.. لماذا تقف تتجسس علينا؟!.. وهل تستمتع بسماع مشاكلنا؟!.. وما الى ذلك..

قلت لصديقي.. نيتك سليمة في محاولة تهدئة الامر.. ولكن تصرفك كان خاطئا.. فلو انك قرعت الجرس دون تردد.. او لو اصطحبت زوجتك او احدى بناتك معك.. كون احد الاطراف هي انثى.. لكان وقع موقفك بالوقوف امام الباب.. اخف واسلم على ذلك الجار الغاضب..

وذكر لي صديقي الطبيب البارع الذي غادر الوطن الى احدى الدول الغربية ليقيم في احدى المشافي المتخصصة.. انه تعرف على طبيب اردني وُلِد وترعرع ودرس في تلك الدولة.. وتطبع بطباعهم.. وعندما عاد صديقي الى الاردن.. استطاع اقناع ادارته باستقطاب ذلك الطبيب الاردني-الاجنبي.. للعمل معه في المستشفى..

ويقول بينما كنا نجلس في غرفتنا كالعادة حينما لا يكون عندنا عمل.. واذا بنداء مستعجل للطوارئ.. فذهبنا سويا لنعاين الامر.. فكانت سيدة قد اصيبت بشبه قطع ليدها في حادث.. وكانت منهارة جراء ما حدث.. وتمت لها الاسعافات الاولية قبل وصولها الينا.. وعلى الفور قام ذلك الطبيب بمحاولة احتضان للمصابة لتهدئة روعها.. كما هو متعود في بلاد الغرب.. فما كان من تلك المصابة الا ان تناست ما هي عليه.. واستجمعت قواها.. ودفعت ذلك الطبيب بقوة قبل ان يلمسها.. فأسقطته ارضا.. ويقول صديقي.. ان ذلك الطبيب نظر اليه واليها بنظرة استغراب مفادها "ماذا فعلتُ ليحدث لي هكذا؟!".. فقلت له بسرعة.. ان عفة وطهر وتنشئة هذه المصابة.. تمنع هكذا تصرف.. حتى وان كانت نيتك سليمة..

وذلك الاعلامي الذي حاول نصرة مواطن يشتكي سوء المعاملة من مسؤول احدى المؤسسات.. وعرض عليه اوراقا تبين انه مستهدف ومظلوم.. فما كان منه الا وان سارع بنشر ذلك الخبر.. فزعة ونصرة منه لذلك المظلوم.. وتبيان لتصرفات بعض المسؤولين المتغطرسين..

وعندما تحوَّل الحدث الى شبه قضية رأي عام.. وتدخل القضاء في الامر.. تبين ان الاوراق منقوصة.. وان ذلك الشخص الذي ظهر بمظهر المظلوم.. قد اخفى من الاوراق ما هو اعظم واقوى ويدينه..

فكانت النتيجية عكسية على ذلك الاعلامي "الفزّيع".. نتيجة سوء تصرفه البعيد عن المهنية في الاستقصاء ومعرفة الامر من جميع جوانبه..

ولا انسى تلك الصبية التي كانت تتبسم وهي جالسة في ذلك المقهى.. فكانت تتذكر ذكريات جميلة مع الاهل والعائلة.. شاردة الذهن مع تلك الصور الذهنية.. وتتصرف ببعض الايماءات اللا إرادية.. بينما كان يجلس شاب على الطاولة المقابلة لها.. ظانا انها تتبسم له.. وحين حاول مبادلتها نفس التصرف.. وحاول ان يتقرب منها.. فما كان منها الا وانهالت عليه بالشتائم..

فبنظرة مجردة.. وبوضع انفسنا مكان ذلك الشاب المغتر بجاذبيته ووسامته.. ومشاهدته لتلك الفتاة وهي تتبسم وتومئ له.. ان الخطأ ليس عليه من حيث ردة فعله..

ونجد ان مكان تصرفها ليس في هكذا اماكن.. وكتم مشاعرها الجياشة لصون عفتها ووقارها.. والابقاء على رزانتها وكياستها.. وضبط تصرفاتها.. هي الاولى والأحوط.. وانها ليست في الاماكن العامة.. حتى وان كان ولا بد.. وكان الامر طارئا وخارج عن سيطرتها.. فلتحاول ان تخفي ما هي عليه.. وتضبط مشاعرها ولا تظهرها في مجتمع محافظ ويعرف بعضنا بعض.. ويُحسَب اي تصرف على من قام به.. لان الاخرين لا يعلمون بالنوايا..

نعم للفزعة.. ونعم للتخفيف عن الاخرين.. ونعم لاصلاح ذات البين.. ونعم للتدخل في حل او احتواء مشاكل الاخرين.. ولكن علينا ان لا ننجرف وننجر خلف مشاعرنا.. وعلينا مراعاة عادات وتقاليد ونفسيات الاخرين.. وعلينا احترام مبادئ وافكار من نتعامل معهم.. وعلينا اولا واخيرا ان ننظر لاي امر من زاوية وعين وتفكير الاخرين.. ولا نستمر في جعل وفرض واقناع انفسنا.. بان تفكيرنا ونوايانا هي الحكم والفيصل على تصرفاتنا.. ونفترض انه يجب على الطرف الاخر ان يعتقد ويظن ويفسر بناءا على ما نفكر به او على نوايانا..

وفي الختام.. لنتحمل مسؤولية سوء تصرفنا ولو كان مغلفاً بحسن النوايا.. وكذلك سوء فهمه والظن السيء من قبل الاخرين.. ولنعترف امام انفسنا اولا.. ونمتلك الشجاعة والجرأة بالاعتراف باخطائنا امام ومع الاخرين.. والاجمل من ذلك ان نتعظ بما يحصل مع غيرنا.. ونعلم انه مُنتَقد.. فنتجنب الوقوع فيه.. فما بالنا ان وقعنا نحن فيه.. فالاصل ان نعترف بخطئنا.. ونندم عليه.. ونعقد العزم على عدم تكراره.. ونشكر كل من نبهنا عليه..

مدار الساعة ـ نشر في 2023/07/21 الساعة 14:03