الأردن لم يغير موقفه من سوريا

مدار الساعة ـ نشر في 2017/08/27 الساعة 02:12

كان الجميع يسأل منذ اليوم الأول عن الموقف الأردني، ولكن لم يسأل أحد ما هو الثمن الذي سيدفعه الأردن، و لم يسألوا عن اليوم الثاني الذي كان ينتظر فيه أن يسقط النظام السوري ويرحل الأسد، فالمعارضة السورية كلها تخوض معارك سياسية ضد بعضها البعض، وتخوض حرب الفنادق والمايكروفونات، وهي ترى الدمار الكارثي لسوريا الأرض والإنسان والتنمية، فيما إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ومعها حلفاء، تريد من الأردن أن يكون رأس حربة في غزو سوريا بريا، ولكن القيادة الأردنية رفضت أكثر من سبع خطط عسكرية قاتلة، وفي كل مرة تطرح السؤال الأهم: ما هو البديل لسقوط مؤسسات الدولة السورية ؟ ولا أحد يجيب؟

إن تصريحات الوزير د. محمد المومني لبرنامج «ستون دقيقة» مساء الجمعة، والتي قال فيها إن العلاقات الأردنية مرشحة لمنحى إيجابي مع سوريا، وإدراك السوريين حكمة الموقف الأردني وموقفنا التاريخي والقومي، ليست إكتشافا سوريا تاريخيا، بل إن المسؤولين السوريين وعلى رأسهم الرئيس الأسد، يدركون أن الأردن هو مصلحتهم وحائط الحماية الجانبي لهم، ولو أراد الخضوع للرغبات منذ اليوم الأول، لما وجد السفير السابق في عمان وقتا ليستمتع باستخدام هاتفه ليغرد ضد الأردن وضد جيشه واستخباراته ومسؤوليه، فيما الأردن لم يغلق السفارة السورية ويحميها ويبذل قصارى جهوده لحماية الخاصرة الجنوبية لسوريا، وتوج جهوده بإخضاع الجنوب السوري لقرار خفض التوتر بل وإنهاء الفوضى على طول 400 كيلومتر شمال الأردن.

دخلت الحرب الداخلية في سوريا عامها السابع، قبل أن تبدأ بالإنهاك، وحطمت الرقم القياسي للحرب العالمية الثانية 1939 -1945، ومع هذا يبدو أن الجميع أصابهم الفتور والتعب والقرف من هذا الصراع الذي لم ينتصر به أحد، حتى النظام السوري سيخضع لمعايير الوضع الجديد في الدولة السورية الجديدة، وهذا ما كان الأردن يحاول منذ العام 2012 تجنبه وتجنيب سوريا كل هذا الدمار، ولكنها بلاد العرب، لا أحد يتعلم من أخطاء الآخرين، فالعراق خير مثال للجميع، ولكن سوريا أصابها الدمار الذي لم تشهده العراق، وهذا ما جعل الأردن الخاسر الأكبر إقتصاديا من معركة سوريا والرابح الأكبر في إنتهائها.

كان واضحا أن إسقاط النظام السوري ورحيل الرئيس بشار الأسد أمر مستحيل بعد مرور العام الأول، ولكن في العالم العربي لا أحد يفكر في الحل أو يتراجع عن الموقف أو ينتقل الى خطة بديلة، فالأسد الذي كان يُستقبل في القصور الملكية والرئاسية، ويستقبل الرؤساء والزعماء في دمشق، تحول فجأة الى شرير لا أحد يريد أن يذكر إسمه، ولكنه إعتمد على سياسة النفس الطويل في إدارة معاركه الحربية، وعلى قوى إقليمية وجيوش المستشارين العسكريين والمليشيات المسلحة جيدا، وفتح السماء والأرض لإيران، ثم الروس أخيرا، وراهن على الزمن، فجاءت الأزمة الخليجية لتشق صف المواجهة ضده، ولننتهي اليوم الى بداية النهاية للصراع في سوريا.

إذا كان البعض يريد إسقاط الأسد سابقا لبناء الحرية والديمقراطية في سوريا، فذلك كان ضربا من الهراء، فالحرية والديمقراطية لا تأتي بها الغزوات والدبابات وعشرات الفرق المعسكرة والتي تقاتل بعضها، بل إن الحل السياسي الذي كان ينادي به الأردن ويرتجي أن تكون الولايات المتحدة وروسيا هما الضاغط والضامن للتغير الإيجابي دون إنهيار هياكل الدولة السورية كما حدث في ليبيا وقبله العراق 2003، ومع هذا تم حصار الأردن لدرجة الإختناق إقتصاديا، ومع ذلك فتح أبوابه مشرعة للأشقاء من الشعب السوري الذين لجأوا ولا زالوا عاملا ضاغطا على إقتصاد بلد لم يمنع لاجئا عربيا واحدا.

سوريا مهمة جدا للأردن، تماما كالعراق، ومثلها الدول الشقيقة في الخليج كما السعودية، وموقعه كـ»دوار الشرق الأوسط» يجعله مرصدا لمصالح الجميع، ويجب على الجميع أن يرصد مصالح الأردن، فالاردن بعكس الأشقاء إقتصاده يعتمد على «إقتصاد العجلة» فحركة النقل البري هي التي تدعم إقتصاده وتحرك أسواق الشرق والشمال، ولكن القيادة الأردنية لا تعتمد حركة النقل السياسي، فالمواقف الثابتة عربيا هي في غاية الأهمية بالنسبة له، ولذلك بات يسعى الى تغيير المنهجية السياسية لدى الأشقاء لإعادة تصويب الخطأ الذي وقع، وإذا بقيت الحروب العربية العربية والنزاعات والإنقسامات مستمرة، فستواجه الدول العربية جميعها عقدا قادما كارثيا إقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وعلى البعض أن يحسب تكاليف المعركة قبل أن يخوض الحرب عنوة.

 

مدار الساعة ـ نشر في 2017/08/27 الساعة 02:12