د. رافع شفيق البطاينة
أخذ الحديث عن عقوبة الإعدام مجرى ومنحنى طويلا ومتشعبا، وأصبح وكأنه رواية طويلة ومعقدة، وبدأت منظمات حقوق الإنسان تقلد الغرب تقليدا أعمى في الطرح من حيث الفكر والمضمون في جدلية عقوبة الإعدام بين المؤيد لإلغائها، وبين الرافض للإلغاء والإبقاء عليها، وعقدت العديد من المؤتمرات الإقليمية والدولية، وورش العمل والندوات، وأخذت بعدا واسعا، وبدأ بعض ما يسمون أنفسهم نشطاء حقوق الإنسان من الدخلاء على ثقافة حقوق الإنسان بالتفلسف وتبني الآراء الغربية حتى يظهروا بمظهر الليبراليين والحداثيين والمعاصرين، وأنهم مع نصرة الإنسان، ويتباكون على حياته، مخالفين بذلك شرع الله، وعقيدتهم الإسلامية، أو الدينية للديانات الأخرى، حتى أنهم يخالفون المواثيق الدولية لحقوق الإنسان نفسها، وكل ذلك من أجل الحصول على تمويل أجنبي لمنظماتهم من حفنة من الدنانير، أو الدولارات، أو اليورو، أو من أجل دعوتهم لحضور مؤتمر دولي، أو ورشة إقليمية مجانا على نفقة الدولة أو المنظمة المستضيفة تكون مغطاة النفقات وتكاليف الإقامة، ومن ثم الحصول على لقب دولي، كلقب من العشرة الأقوياء في مجال حقوق الإنسان للحصول على جائزة دولية، ويتم تصويره بجانب أحد زعماء أو وزراء إحدى دول العالم، والظهور على وسائل الإعلام المرئية متحدثا وكأنه فقيه في مبادئ حقوق الإنسان.
ان قضية الإعدام ليست بالقضية المعقدة والصعبة التي تحتاج إلى كل هذه البهرجة الإعلامية، وهذا النقاش الجدلي الطويل والمتشعب، وهذه الفهلوة الفكرية والقانونية، فكل دولة لها خيارها الخاص بها في أن تطبق وتنفذ عقوبة الإعدام، أو أن تلغيها استنادا إلى نهجها القانوني الذي تستند عليه، وتعمل بموجبه، إما التشريعات القانونية الوضعية، وإما المزيج بين التشريعات الدينية والتشريعات الوضعية، فالدين الإسلامي واضح بهذا الجانب، القاتل يقتل إذا كان القتل عمد، ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب، ومن قتل نفسا بغير نفس، فكأنما قتل الناس جميعا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، كلام إسلامي واضح، الدين الإسلامي دين الحق، ودين الدفاع والحفاظ على حياة الناس وتقديسها، لقد كرمنا بني آدم...، لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لَقَتْلُ مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا» رواه النسائي. وفي حديث آخر: «لَزوالُ الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق»....،
أما نحن في الأردن فعقوبة الإعدام مجمدة وغير مفعلة منذ عشرات السنين، بإستثناء النذر اليسير من بعض الحالات التي طبقت ونفذت عليها عقوبة الإعدام، والتي ارتكبت أعمال قتل إرهابية عمدا ومقصودة مع سبق الإصرار والترصد، وأتمنى على المتباكين على محكومي الإعدام، أن يتباكوا على الضحايا التي قتلت بدم بارد، وعلى حقهم في الحياة الذي حرموا منها ، وأن يتباكوا على أطفالهم الذي يتموا وهم صغار السن، وحرموا حنان الأب ورعايته، وأن يتباكوا على والدي الضحية من أب وأم الذين ذرفت دموعهم، واقشعرت أبدانهم وتقطعت قلوبهم حزنا وألما على أبنائهم، فمنظمات حقوق الإنسان ونشطائها في الدول الغربية ومن والاهم من نشطاء العرب، يتباكون على عشرات الأشخاص ممن أعدموا، أو قد يعدموا، ولكن لا يتباكون على عشرات الآلاف لا بل ربما مئات الآلاف ممن قتلوا، أو ما زال يقتلوا كل يوم، وتغتصب أراضيهم، وتهدم بيوتهم، بدون رادع أو قانون يحميهم ويشردوا في الشوارع، وبعتقلوا ويزجوا في السجون بمحاكمات صورية لسنوات طوال عدا عن التعذيب الجسدي والنفسي العنيف، لهم ولذويهم، بعضهم بدون ذنب، إقرأوا على ماذا نصت المادة ( 3 ) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان " لكلِّ فرد الحقُّ في الحياة والحرِّية وفي الأمان على شخصه" واقرأوا على ماذا نصت المادة ( 6) السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية....
1. الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمى هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا.
2. لا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام، أن يحكم بهذه العقوبة إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة وفقا للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة وغير المخالف لأحكام هذا العهد ولاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. ولا يجوز تطبيق هذه العقوبة إلا بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة.
3. حين يكون الحرمان من الحياة جريمة من جرائم الإبادة الجماعية، يكون من المفهوم بداهة أنه ليس في هذه المادة أي نص يجيز لأية دولة طرف في هذا العهد أن تعفى نفسها على أية صورة من أي التزام يكون مترتبا عليها بمقتضى أحكام اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
4. لأي شخص حكم عليه بالإعدام حق التماس العفو الخاص أو إبدال العقوبة. ويجوز منح العفو العام أو العفو الخاص أو إبدال عقوبة الإعدام في جميع الحالات.
5. لا يجوز الحكم بعقوبة الإعدام على جرائم ارتكبها أشخاص دون الثامنة عشرة من العمر، ولا تنفيذ هذه العقوبة بالحوامل.
6. ليس في هذه المادة أي حكم يجوز التذرع به لتأخير أو منع إلغاء عقوبة الإعدام من قبل أية دولة طرف في هذا العهد .
فكفانا أيها النشطاء أنتم ومنظماتكم شعبويات وهرطقات إنسانية وعودوا إلى رشدكم هداكم الله، وللحديث بقية.