شذرات عجلونية (49)
القراء الأعزاء؛ أسعد الله أوقاتكم بكل خير، أينما كُنتُم، وحيثما بِنتُم، نتذاكر سويًّا في شذراتي العجلونية، ففي كل شذرة منها فكرة في شأن ذي شأن، ننطلق من عجلون العنب والذَّهب، عجلون الحُبِّ والعتب؛ لنطوف العالم بشذراتنا، راجيًا أن تستمتعوا بها.
شؤون وشجون سياسية
إن الخوض في موضوع العلاقة بين الأردن وفلسطين، يعدُ مغامرةً فهو موضوع شائك، وإن التوغل فيه كالسير في حقل ألغامٍ، حيث تستوجب الكتابة فيه مراجعة كل كلمة قبل النطق بها، والتدقيق في معانيها وفي مرادفاتها قبل كتابتها، أو نشرها. لما سيكون لها وعليها من ردود فعلٍ لا تحمل جميعها حُسن النوايا ولا تنظر جُلها إلى الأمرِ بموضوعية إذ يخيل لي أن معظم القراء سينظرون إلى اسم الكاتب وكنيته قبل التمعن فيما كتب.
إذ تحتل القضايا الفلسطينية قسطاً مهماً وقدراً كبيراً من الأجندة الأردنية اليومية وتعدُ تلك القضايا جزءاً مهماً ودائماً من المناقشات والأحاديث اليومية للشعب الأردني، فالقضايا واحدة والمصير مشترك، وإن جميع الأحداث التي تجري على الساحة فلسطين تؤثر بشكلٍ كبير، وأحياناً بشكلٍ خطير في كل مجالات الحياة الأردنية.
ولكن العلاقات الأردنية الفلسطينية (الشعبين) هي علاقة تسمو على كل الحكومات والأحزاب والأطياف في البلدين، وهي أقوى من أية خلافات قد يفتعلها أُناس هنا، أو هناك، ولا يمكن أن تنال منها كل الاختلافات السياسية، ولا ظروف التوتر التي تسود منطقة الشرق الأوسط.
هذا القرب المكاني والتقارب الوجداني بين الأردن وفلسطين وعلاقاتهم الناضجة، أو الواضحة أثر على الجو العام في الأردن سياسياً واقتصادياً وديموغرافياً ينعكس في الحياة الأردنية اليومية الحزبية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. ويبدو لي أن فهم العلاقة المعقدة بين هذه المحاور هو المفتاح لكل الحلول السياسية المستعصية الأوسط نظراً للتقارب الشديد بينها. وهي علاقة علاقات متشابكة مع الحياة العامة في الأردن على جميع الصُعُدْ، وأبرزها القادم أجمل، والحياة الحزبية، وتداول السلطة السياسية.
لا أحزاب سياسية حقيقية قبل حل الدولتين
دعونا نؤمن برواية الحرية ومقولات الديموقراطية وأفكار التفاعل مع التوجهات الحزبية،
والحياة البرلمانية وتداول السلطة المدنية التي أصبحت حديث الشارع والمنتديات، وغدت مادة الصالونات السياسية وحتى صالونات التجميل...، فقد استطاع ما يقرب من (26) حزب وبشق الأنفس الوصول إلى طوق النجاة بجمع البطاقة الشخصية لما مجموعه (1000) أردني وأردنية، ضمن عمليات تجميعية، أو تجميلية ولكن الترخيص حصل ورُفَعت اليافطات على المقار الحزبية إيذانا ببدء مرحلة جديدة، مع أن الاستقالات الجماعية بدأت تلوح في أفق بعض الأحزاب، "أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ ...".
لكنني شخصياً لا أرى أن يكون هناك أحزاب سياسية حقيقية فاعلة في الساحة الأردنية حتى يتم حلَ القضية الفلسطينية بشكل دائم، ونرى دولتين قائمتين مكتملتي السيادة على أراضيهما، حلٌ يسمح للفلسطينيين بإنشاء وتكوين أحزابهم السياسية الخاصة بهم في بلدهم فلسطين، أو الانضمام بشكل تام إلى الأحزاب السياسية والحياة العامة في الأردن والتخلي جواز السفر الفلسطيني، وتحديد الهوية بشكل واضح.
تحديد الهوية لا يعيب أحداً
لا أعني بكلامي هذا بحالٍ من الأحوال التخلي عن فلسطين ولا عن مقدساتها، ولا أن نتجاهل احتلال فلسطين من قبل غاصب أثيم، ولا التخلي عن حق المطالبة بتحرير أرضنا من النهر إلى البحر، فإن هذا واجب كل عربي ومسلم، وليس فقط أردني وفلسطيني، أو أردني من أصل فلسطيني، إن المقصود فقط عدم ازدواج الجنسية، وأن يقوم كل شخص بالتصريح والانتماء إلى جنسية واحدة فقط، كي يتم التعامل مع الناس وفقاً لهذا الاختيار في الحقوق والواجبات مستقبلاً.
تشهد المحافل الدولية وكل دول العالم على عشرات الذين تجنسوا بجنسية أخرى ووصلوا إلى سدة الحكم في تلك الدول، ولم يعبهم أصولهم البعيدة عن ذلك البلد ولا حتى عن دينه، فكيف إذا كنا أبناء دين واحد، ولغة واحدة، وتاريخ واحد، ومصير واحد، وهدف واحد.
علاوة على أن العديد من المراجع والكتابات التي تتحدث عن الأردن، والتي تبعث شعوراً، أو إحساساً عميقاً لدى مواطنيه حول مستقبل الدولة الأردنية وبقائها دولة مستقلة بعيداً عن فكرة الوطن البديل، مما يثير شكوكاً حول موضوع عدم الثقة وعدم الاستقرار، ويثير تساؤلات حول درجة الانتماء للتراب الوطني الأردني.