حاجات ودوافع الذات الآدمية (الإنسانية)
وتحقيق الذات هنا يشير إلى حاجة الإنسان إلى استخدام كلّ قدراته ومواهبه، وتحقيق كلّ إمكاناته الكامنة وتنميتها إلى أقصى مدى يمكن أن تصل إليه. وهذا التحقيق للذات لا يجب أن يفهم في حدود الحاجة إلى تحقيق أقصى قدرةٍ أو مهارةٍ أو نجاحٍ بالمعنى الشخصي المحدود ... إلخ وإنّما هو يشمل تحقيق حاجة الذات إلى السعي نحو قيم وغاياتٍ عليا، مثل: الكشف عن الحقيقة ... والإبداع ... وتحقيق النِّظام ... وتأكيد العدل ... إلخ. مثل هذه القيم والغايات تمثل في رأي ماسلو: حاجات أو دوافع أصيلة وكامنة في الإنسان بشكلٍ طبيعي، مثلها في ذلك مثل الحاجات الأدنى إلى الطعام ... والأمان ... والحب ... والتقدير ... إلخ، وهي جزءٌ لا يتجزأ من الإمكانات الكامنة في الشخصية الإنسانية، والتي تلح من أجل أن تتحقق لكي يصل الإنسان إلى مرتبة تحقيق ذاتهِ، والوفاء بكل دوافعها وحاجاتها. بعد تحقيق الذات يتبقى نوعان من الحاجات أو الدوافع، هما: الحاجات المعرفية، والحاجات الجمالية، ورغم تأكيد ماسلو على وجود وأهمية هذين النوعين ضمن نسق الحاجات الإنسانية، إلّا أنّه فيما يبدو لم يحدد لهما موضعاً واضحاً في الهرم الذي وضعه: 1- الحاجات الجمالية (Aesthetic Needs): وهذه تشمل فيما تشمل عدم إحتمال الإضطراب ... والفوضى ... والقبح. والميل إلى النظام ... والتناسق ... والحاجة إلى إزالة التوتر الناشئ عن عدم الإكتمال في عملٍ ما ... أو مهمةٍ ما ... إلخ. 2- الحاجات المعرفية (Cognitive Needs): وتشمل الحاجة إلى الإستكشاف والمعرفة والفهم، وقد أكّد ماسلو على أهميتها في الإنسان، وهي في تصوره تأخذ أشكالاً متدرجةً ... تبدأ في المستويات الأدنى بالحاجة إلى معرفة العالم واستكشافه بما يتسق مع إشباع الحاجات الأخرى، ثّم تتدرج حتى تصل إلى نوعٍ من الحاجة إلى وضع الأحداث في نسقٍ نظري مفهوم ... إلخ أو خلق نظامٍ معرفي يفسر العالم والوجود ... إلخ وهي في المستويات الأعلى تصبح قيمةً يسعى الإنسان إليها لذاتها بصرف النظر عن علاقتها بإشباع الحاجات الأدنى. إلا أن ماسلو لم يذكر أبداً الإحتياج الأهم في حياة الإنسان والذي هو:- الإرتباط بالخالق الكامل المتفرد بذاته، والذي لديه القوة المطلقة التي يمكن إستمداد القوة منها، ومعرفته، وإسكان الروح لديه، لتقوم بعدها بأداء ما عليها من واجبات تعبدية ليوهب التوكل عليه والتفكير في الإحتياجات التي تليه. إنّ في القلب شعث: لا يلمه إلّا الإقبال على الله سبحانه. وعليه وحشة: لا يزيلها إلّا الأنس به في خلوته. وفيه حزن: لا يذهبه إلّا السُّرور بمعرفته وصدق التعامل مع أوامره ونواهبه. وفيه قلقٌ: لا يسكنه إلّا الإجتماع عليه العظيم المتعال، والفرار منه إليه. وفيه نيران حسرات: لا يطفئها إلّا الرِّضا بأمرهِ، ونهيه، وقضائه، ومعانقة الصَّبر على ذلك إلى وقت لقائه. وفيه طلبٌ شديد: لا يقف دون أن يكون هو وحده المطلوب. وفيه فاقة: لا يسدها إلّا محبته ودوام ذكره والإخلاص له، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبداً. ومما تقدم نخلص إلى هذا الدعاء الذي وصل لنا عن الرسول ﷺ: لا حول ولا قوة الا بك يا الله، ولا حيلة ولا إحتيال ولا ملجأ ولا منجى ولا مفر ولا مهرب منك إلا إليك. أما عن المرحلة التي تلي معرفة إحتياجات الذات، وكيفية تقديرها، فتأتي مرحلة التحفيز، وهي مهارةٌ يمكن اكتسابها وتعلمها خلال حياة الإنسان العملية.