ثقافتي

عبدالهادي راجي المجالي
مدار الساعة ـ نشر في 2023/07/09 الساعة 03:04
لماذا يحاول الأردني أحيانا أن يهرب من ثقافته... لماذا يحاول الأردني كثيرا أن ينقلب أحيانا على مشروعه الثقافي؟.. أنا تطربني ماجدة الرومي في أغنية (يسمعني حين يراقصني), ولكني أحب (يا بو خديد منقرش يا عذاب الشباب.. لفني في حضينك غير حضينك ما هاوي) من حنجرة فارس عوض, أحبها أكثر..
حين كتب نزار قباني كلمات أغنية يسمعني حين يراقصني, كان يجلس في الشانزليزيه ويدخن السجائر الفرنسية الفاخرة (الجيتان) كان يرتدي ربطة عنق فاخرة, وبدلة من (لانفان) وكان الخاتم الذهبي يلمع في أصابعه, نزار كان يبحث عن الحب على أرصفة الشانزليزيه... بالمقابل حين كتب حابس المجالي أغنية يا بو خديد منقرش أو أغنية (والبارحة مع هبة الطارش) كان في الخندق, ولا يدري هل سيعود للكرك أم أن رصاصة قاتلة ستداهمه في الصدر.. لم يكن يعرف ماذا سيخبأ القدر له, لكنه على الأغلب كان يرمي من بندقيته.. وكان ينتظر أن ينجلي غبار باب الواد,?حتى يعرف من استشهد من رفاقه, ومن من ضباط ما زالت بندقيته تسدد.مارسيل خليفة.. أنا أحب بين ريتا وعيوني بندقية لمارسيل, ولكني أحب... سعيد عقل حين كتب: (أردن أرض العزم أغنية الظبى).. سعيد جاء للأردن, وزار رم..وتأمل بدوية تحمل الماء على كتفها, سعيد لم يكتب قصيدة عابرة, ولكنه كان يسأل صلاح أبو زيد في كل محطة من رحلته للعقبة, كيف صنعت هذه الصحراء من نفسها معجزة.. كيف بنت أهم جيش في المنطقة وأهم مؤسسات علاجية, كيف صار هذا البدوي طبيبا مشهورا.. وكيف قمتم بشق كل هذه الطرق وقاتلتم إسرائيل بكل كبرياء.. سعيد لم يكتب أغنية لفيروز, كان يحاول أن يفك أسرار هذا الوطن عبر بنت بدوية شاه?ها تحمل الماء في صحراء رم.لماذا يعشق الأردني راغب ومارسيل وماجدة ومحمد رمضان, ويهرب من ثقافته.. يهرب من إرثه العظيم, من كل هذا المعجزات التي صنعها أجداده....في فلسطين لا يأتي إليهم محمد رمضان وماجدة لم تزر جنين، وراغب علامة لايقبل أن يغني في مخيم من مخيمات الضفة.. في فلسطين يقيمون احتفالاتهم على (اليرغول) والدبكة, والأغاني كلها عن الشهداء وقصص المخيم.. لكنهم أنتجوا ثقافة المقاومة والصمود, ثقافة الإنتصار والدم والشهادة.. في فلسطين وحدها دون غيرها, أنتجوا شخصية فلسطينية جديدة.. لا تؤمن إلا بزيتها ولا تؤمن بتراب غير تراب فلسطين, ولا ت?رف وجهة غير القدس.. ولا تركع إلا لله, ولا تقرأ كتابا إن لم تكن آيات القرآن تطرز عناوينه.. ولا تسمع لحنا إن لم يعزف على (دوزان) الرصاص... مخيم جنين صورة لثقافة جديدة في العالم العربي, وهي ليست ثقافة الكتابة من الشانزليزيه, ولا ثقافة فن (المياصة)... ثقافة إسمها: ثقافة الصمود والحرب... والشهادة.أعود إلى السؤال لماذا يهرب الأردني من ثقافته, يهرب من تيسير السبول, ليقيم حلقات نقاشية عن شعر أودنيس, يهرب من أرق شاعر ولد في هذا البر وهو حبيب الزيودي.. ليقدم أولاده رسائل ماجستير عن أشعار..(زاهي وهبي)... يهرب من روايات طاهر العدوان التي عرضت الحقيقة الكاملة والتجربة الواقعية, إلى روايات علاء الأسواني..سأموت وأنا استمع ل (يا ابو خديد منقرش).. لن يطربني غير اللحن الأردني والصوت الأردني, أصلا إن طربت لصوت غير أردني سأنظر لنفسي أني خنت أذني وأني خنت ترابي وأني.. خنت كل أشجار الزيتون في بلادي, أنا لن أهرب من مشروعي الوطني.. لن أهرب من ثقافتي ولا من لحني ولا من كلمات الأغاني..المشكلة أني أرى بلادي في السماء مكان القمركم هو مظلوم هذا الوطن..
مدار الساعة ـ نشر في 2023/07/09 الساعة 03:04