'مدار الساعة' من بلد المحبوب.. 'ستيلا' تكشف أسرار 'الأطلال' و'الهوى غلاب'..!
مدار الساعة - القاهرة - محمود كريشان
تتبدد الذكريات تماما، وتتلاشى الأمكنة التي كانت تشكل روحاً وهوية، ففي قلب العاصمة المصرية "القاهرة".. وتحديداً في وسط البلد، بمنتصف المنطقة الممتدة من ميدان التحرير إلى ميدان طلعت حرب، بمحاذاة كافيه ريش ومطعم فلفلة، ذهبت ذاكرة حانة "ستيلا" التراثية العريقة، عندما أغلقت أبوابها منذ جائحة كورونا وحتى يومنا هذا دون أن يتسنى لأحد أن يعرف الأسباب..!
عموما.. "ستيلا" والتي يعود تاريخ إنشائها إلى العام 1940م، من قبل شخص مصري من أصول يونانية، وكانت هذه الحانة تحتفظ بمقتنياتها التراثية البسيطة، ومعظم الزبائن فيها كانوا من المثقفين واليساريين، دون أن يخلو المشهد من وجود الفنانين من عازفي العود والكمنجا، الذين وما أن يحلو السهر في ساعات متأخرة من ليل القاهرة الجميل، حتى تبدأ معزوفاتهم تتصاعد لتعطر الحانة الصّغيرة بالغناء القشيب .. للشيخ إمام .. "جيفارا مات".. و"البقرة النطاحة" ويمتد الغناء في ساعات التجلي إلى الغناء البحري .. "شكشك مرزوقة .. تعالي جنبي" إلى الفرقة القومية المصرية وفرقة رضا .. ولأجل الصبايا.. مصر مش قتالة .. ولأ.. والنبي ويا عبدة.. وقس على ذلك..!
وعلى صلة.. يُقال أنه وفي هذه الحانة قام الطبيب الشاعر إبراهيم ناجي بكتابة القصيدة المغناة "الأطلال"، والتي صدحت فيها المطربة الكبيرة أم كلثوم، حيث أن الدكتور ناجي كان منكباً على "بنت العناقيد" هرباً من خذلان المحبوبة، وكان عرضة لإنتقادات زملاء وندماء له، تارة يقولون له أنت طبيب فاشل، وشاعر ناجح .. والعكس صحيح، كما أورد شاعر فلسطين الكبير الأستاذ عبدالناصر صالح.
ورواية أخرى تشير إلى أن الشاعر الكبير بيرم التونسي، خرج ذات خميس من حانة ستيلا وهو يترنح، فرأى عربجيا يجر عربة خردوات فسأله ساهما: "هو صحيح الهوى غلاب"؟.. فرد عليه العربجي المتجهم ملوحا بيمناه، ومستعيذا من ترنح بيرم فجر جمعة قائلا: "ما أعرفش أنا".. وفي المساء كان سؤاله ورد العربجي، مطلع قصيدة من أجمل ما غنت أم كلثوم التي يقول مطلعها: هو صحيح، صحيح الهوى غلاب؟.. ما عرفش أنا.. والهجر قالوا مرار وعذاب.. واليوم، اليوم، اليوم بسنة..!
على كل حال.. ستيلا... الآمال.. الهموم.. الذكريات.. وبندق.. بندق .. وعلى بلد المحبوب وديني.. وآلة التسجيل التراثية، تطلق العنان للكاسيت القديم الذي إندثر إلا في فناء ستيلا يُواصل مسيرة التحدي، ومواجهة عصر الحداثة وأقراص الـC.D .. وعزيزة جلال تشدو: "مستنياك .. تعبت .. تعبت من الأشواق"..!!.
في "ستيلا" ثمة مفارقة جميلة مليئة بالصّعلكة والمساواة والإشتراكية، تجدها في هذه الحانة الشّهيرة والمغلقة حاليا.. تجد الشاعر والسّياسي والمثقف.. الشيوعي والسّلفي وكوكبة من "الأعوان".. وحتى بائع المناديل الهارب من ضنك العيش، إلى رحاب النسيان .. ولكن "ستيلا".. كان يجب أن يكون أحد إكتشافات طشاعر الأردن" مصطفى وهبي التل "عرار" لكونه أشبه ما يكون بكوخ الندامى الذي أسّسه عرار في عمّان على الحرية والإنعتاق من العبودية .. على اعتبار أن ستيلا كان ولا يزال .. الطريق إلى الحرّية!!..