الفصام الثقافي

مدار الساعة ـ نشر في 2017/08/25 الساعة 01:26
لا تجد أحدا في الاردن لا يستنكر مشهد تراكم النفايات عند مداخل المدن وفي الشوارع ومن غير المتوقع أن تجد أي معارضة إذا ما وقفت في أي مناسبة أو حفل لتحذر الحاضرين وتدعوهم أن لا يطلقوا العيارات النارية. في الجامعات والمعاهد ومنظمات المجتمع المدني والإعلام يجري الحديث يوميا عن التلوث وحماية البيئة ودور المواطن وبرامج العمل المشترك مع المجتمعات المحلية، لدرجة أن أي مواطن في البلاد جاهز للحديث لساعات في هذه الموضوعات وغيرها من القضايا التي أصبحت موضوعا اساسيا لاطلاق المبادرات وعقد المؤتمرات والندوات وطباعة الصور والشعارات والمنشورات التي كثيرا ما تكون جزءا من ركام النفايات التي تتطاير محتوياتها في شوارعنا واحيائنا وفضائنا. المشكلة الكبرى أن بعض الذين يحاضرون ويرشدون وينظرون ويبادرون يقومون بنفس الافعال التي ينهون عنها، ففي اكثر من مرة يخرج علينا طبيب على شاشة التلفزيون ليتحدث عن اخطار التدخين على الصحة العامة والاضرار التي يلحقها بصحة المدخنين وغير المدخنين، لنكتشف بعدها انه يدخن ما يزيد على علبتي سجائر يوميا. وفي أكثر من مرة شوهد أحد أعلام حملة "لا لإطلاق العيارات النارية" يطلق النار في مناسبات وأفراح. لا بل إني شهدت ذات مرة عددا من الرسميين يخرجون مسدساتهم بصورة جماعية ويطلقون النار ابتهاجا بزواج ابن مديرهم. السؤال الأزلي الذي يحيّر كل من يشاهد هذه التناقضات: لماذا نجمع على إدانة أفعال يمارسها الكثيرون منا؟ ولماذا لم تنجح كل هذه البرامج والمواعظ والإرشادات في تغيير أنماط السلوك التي ندينها في العلن ونمارسها كلما اتيحت لنا الفرص؟ في قانون البيئة نصوص تجرم الاعتداء على نظافتها وسلامتها وموجوداتها، ومع ذلك نجد الكثير من الممارسات التي تعكس اتجاهات معادية لها ومهددة للتوازن والخواص الطبيعية للمحيط وما فيه من عناصر الحياة والأحياء، كما تشتمل قوانين الصحة العامة على نصوص تجرّم التدخين في الأماكن العامة وتعترف بخطره وأضراره على غير المدخنين، ومع ذلك نجد أن التدخين عادة يمارسها أكثر من ربع البالغين ونسب متفاوتة من اليافعين، لا بل تتوسع المدن في إيجاد فضاءات جديدة للتدخين في المقاهي والمطاعم التي أصبحت نقاط جذب مهمة للشباب والشابات الذين يعانون من البطالة والضجر. ضعف مستوى الردع وانتشار الأسلحة الفردية ورغبة البعض في الاستعراض والتباهي وإشعار من حوله بامتلاكه لسلاح؛ عوامل أساسية في استمرار ممارسة عادة إطلاق العيارات النارية في المناسبات. فبالرغم من تجريم هذه الافعال وظهور سياسات حاسمة وحازمة تدفع الجميع الى الوقوف في وجه الظاهرة واقتلاعها الا ان الاصابات الناجمة عن الرصاص الطائش ما تزال كابوسا يخيف الكثير من سكان المدن والقرى وخطرا يداهم ارواح وسلامة الابرياء. رؤساء البلديات والممثلون الجدد لمناطق وقرى واحياء المدن في المجالس المحلية أنهوا فترة الاحتفال بفوزهم وأجرى البعض الزيارة البروتوكولية لمن كانوا في مقدمة منافسيهم وشكروا بطرق مختلفة الاشخاص والجماعات
التي منحتهم الدعم والثقة وبدأ البعض يواجه المهام والمسؤوليات الجديدة. في بعض البلديات باشر البعض مهامه في حملات شاملة لصيانة الشوارع وطلاء الاطاريف وتنظيف مداخل وشوارع واحياء بلدياتهم، في حين اقتصرت اجراءات البعض على القيام بجولات تفقدية لمرافق ومحطات واسواق وحدائق بلداتهم. النظافة الموسمية وبقايا صدى اصوات الخطباء الذين وعدوا ببلديات نظيفة وبيئة آمنة لا تكفي لتغيير الواقع، فالمطلوب شوارع آمنة ومدن خالية من أكوام القمامة وأصوات العيارات النارية. لا أحد يتوقع أن تنهض البلديات بهذه المهمة وحدها فالمجالس المحلية والجامعات وكوادر التعليم وطلبة المدارس والأمهات والإعلام شركاء فاعلون يملكون القدرة على إحداث الفرق اللازم في مجتمع يتطلع إلى المزيد من الإنجازات التي تستجيب لرغباته المشروخة. الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2017/08/25 الساعة 01:26