عبدالسلام الطراونة يعود بمقال ناري: (يا رئيس المخفر.. بعد التحية.. اخرج الشاب من الحبس فوراً!)
مدار الساعة ـ نشر في 2023/06/23 الساعة 20:28
ساقني الحنين للأمس الجميل إلى حيث أتمنى وأريد.. فوجدتني أسحب حالي حاملاً على كاهلي ثمانين خريفاً، مشتاقة مثلي، للاستماع الى مآثر الربيع السالف وانجازات الزمن البهي بما في ذلك التعاطي الصادق والمتوازن مع الاحزاب على الساحة الاردنية الذي احفظ وقائعه كما احفظ خطوط راحة يدي!!
ووجدتني أيمم وجهي شطر دارة أحبها كثيراً وأُعظم شأن ساكنها .. ووجدتني الجُ باباً منخفضاً ومتواضعاً.. واحني هامتي احتراماً للمقام العالي لصاحب الدار اولاً .. وتحسباً كي لا يصطدم رأسي بسقف الباب الخفيض بناءً والسامق العالي مقاماً!!
ووجدتني اضرب تعظيم سلام الى الرمز الوطني المهيوب وساكن الدار والقلب معاً الشهيد (وصفي التل) .. واقرأ الفاتحه وسورة (الضُحى) على روحه الطاهره.. ووجدتني أسند ظهري المهدود الى جدار الضريح في (الكمالية) حيث يرقد وطن داخل الوطن!! وهل يسند الظهر الموجوع غيرك يا وصفي حين يكبو الدهر والحظ معاً؟!
ووجدتني اصغي بكُليتي وسمعي ووجداني الى صوت الصمت المهيب الاتي من افياء الزمن الجميل.. بالمناسبه لقد فاتني ان اقول بأن الصمت، لمن لا يعرف، هو ارقى واسمى وابلغ فنون وانواع الكلام الفاعل!!
ووجدتني أرقب منسوب الكلام الزين.. والمح حروفه تنساب من فم ووجدان محدثي السيد الصمت.. ووجدتني استشعر نبض الحروف ودفء الكلمات وهي تتوارد مثل درر منثورة ولآلي ساطعة اودعها صاحبها الملهوف مثلي، في صُرّة يتيمة واخذ يعدها واحدةً.. واحدة.. مخافة ان تفلت او تضيع احدى لآليء الزمن الجميل!!
ووجدتني في ضوء الواقع الحزبي الراهن وتركيبة ارقامه واعداده العجيبة اصغي للصمت البليغ وهو يروي بصوت مسموع وقائع كنت شاهداً على الكثير من مفاصلها وفي مقدمتها التعاطي الفاعل والصادق مع الاحزاب.. ووجدتني ارهف السمع لصوت السيد الصمت وهو يروي حكاية الانجاز المجيد والفعل السديد ويقول بصوت جهوري: يا ناس.. تَبعّوا معي ..فانا اشهد بأن الشهيد (وصفي التل) رئيس الوزراء الاسبق وصاحب الولاية العامة بحق وحقيق، قد كسب ودّ الحزبيين بمختلف اطيافهم في وطننا العزيز عندما أحرق بيده الكريمة في بواكير الستينات من القرن الماضي اكوام الملفات الامنية والاوراق المتعلقة بنشاطات الحزبيين.. واعاد اللاجئين السياسيين من سوريا ومصر الى الاردن.. وقال لخصوم النظام قولته المشهورة: (ايها الاخوة الحزبيون.. مردود عليكم النقا نحو المصالحة)!! ومد يد الصدق والوفاء والالتزام نحوهم من اجل الوفاق وما يستتبع من مشاركة فاعلة لخدمة الوطن والناس والقضية!!
واستطاع الفارس الوطني الشهم (وصفي) من خلال فراسته وفروسيته وذكائه ودهائه ومسطرة الولاية العامة في إهابه ان يكسب ود الحزبين جميعاً.. فاصبح هؤلاء بعد فترة من الخصومة والقطيعة سنداً للوطن الاردني والعرش الهاشمي!!
وقد حقق هذا الانجاز العظيم بكل هدوء وصمت.. وبعيداً عن التنظير المسطح والدهلزات المكشوفة وهندسة المسطرة والفرجار واسلوب (شوفيني يا بنت الخال) الذي يجري في بلدنا هذه الايام!!
وتبوأ الحزبيون خلال حكومات وصفي التل التي شكلها مناصب قيادية رفيعة في مجالات الاعلام والسياسة والثقافة والادارة.. واذكر ان مدير المخابرات انذاك اعترض على تعيين بعض الشيوعيين والبعثيين في دار الاذاعه الاردنية لكن (وصفي التل) قام بتعيينهم وقال لمدير المخابرات الفريق محمد رسول الكيلاني بالحرف الواحد: (يا باشا.. هذول الحزبيين هم وجه البكسة... ولا خير في بلد لا تتنوع فيه الاراء وتتباين الرؤى والافكار.. وهكذا وبكل بساطة استطاع الشهيد (وصفي التل) ان يحل بمفرده معضلة كانت في حكم المستحيل.. وجعل من الحزبيين وخصوم الأمس سنداً للوطن والعرش والنظام!!
وكأني برئيس الحكومة (وصفي التل) وهو يحقق هذا الانجاز الكبير يترجم ما قاله سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: (الحق يحتاج لرجلين صادقين .. رجل ينطق به.. ورجل يفهمه!!).
ويحذفني الصمت من صلب روايته عن الامس الجميل وبهاء شخوصه الى الواقع الراهن حالياً واوجاعه العديدة.. هذا الواقع وخاصة على الصعيد الحزبي، يكاد لسان حاله يقول باننا ما نزال نراوح ازاء الصحوة الحزبية المفاجئة ومسألة هندسة الاحزاب وتفرعاتها.. نمسك مسطرة بيد وبالثانية الفرجار والمنقلة لهندسة الاحزاب وديباجتها وفق نسب مئوية واعداد وارقام ومقاسات يعجز حتى عقل الكمبيوتر عن تحليلها ومعرفة دوافعها ومراميها!!
وهذه المسطرة السحرية وتلك المنقلة الخفية المرافقة لها تميلان، بقدرة قادر، ميلاً حنوناً نحو بعض الاحزاب من حيث التدليل والرعاية والحنان والتسمين ولكنهما في الوقت ذاته تقسوان بشكل واضح ومكشوف على بعض الاحزاب الاخرى بحيث لا نجانب الصواب اذا قلنا بأن هناك احزاباً مدللة يمكن تصنيفها كما نقول في العامية تحت بند (أولاد الداية) الذين يحظون بالدلال وعين الرضا.. واحزاب من طراز (اولاد الجارية) الذين لا يجدون من الجهات المعنية سوى الصدود والقسوة والتعسف (والعين الحمرا)!! وفي المقدمة من هذه الاحزاب المظلومة يقع حزب الشراكة والانقاذ الذي يواجه الامريّن رغم انه يسير وفق القانون والنظام في المقام الاول وينتهج مبادئ وطنية وقوميه تبعث على الاحترام والتقدير!!
ولعل ابلغ وصف للتعاطي الخشن والمعاملة القاسية من الجهات المعنية تجاه بعض الاحزاب، ما ورد على لسان نائب رئيس الوزراء الاسبق معالي الدكتور ممدوح العبادي والذي قال ان هذه المعامله القاسية وما ينجم عنها من قرارات مجحفة تشكل نقطة سوداء في تاريخ الحياة الحزبية في الاردن!!
ولا أظن أن الدكتور العبادي قد ترك من زيادة لمستزيد بعد هذه العبارة البليغة والصادقة والصادمة في الوقت ذاته!
وفي ضوء الضبابية الملحوظة وتعدد المرجعيات وما يستتبع من فوضى منظمة فإن الملايين من الاردنيين وانا احدهم قد عزفوا عن الانخراط في الاحزاب والجنة الحزبية الموعودة ويافطاتها الصفراء التي ملأت شوارع العاصمه بعبارات رنانة وشعارات طنانه مغايرة لواقع الحال على ارض الواقع واكتفينا من الغنيمة بالاياب!!
ومخافة ان يُسيء البعض فهم ما اقول فانني اؤكد لهم بانني لم انخرط في اي حزب من الاحزاب على الساحة الاردنيه منذ الخمسينيات من القرن الماضي حين كان للاحزاب نكهة وهيبة وقوة وذلك لأسباب كثيره لعل في مقدمتها هذه الضبابية وتعدد المرجعيات وهذا التمييز الواضح في التعامل وغياب مسطرة العداله في التعاطي مع الاحزاب الوطنيه التي لا تسير على سكة (كُلّه تمام يا افندم)!! فانا العبد الفقير لله ما زلت قوميا بطبعي وتوجّهي.. بوصلة قلبي فلسطين.. واسود فلسطين.. وشعب فلسطين!
وما دمت بصدد الحديث عن الاحزاب وطريقة تشكيلها بعيدا عن اسلوب الفزعة والاستعراض المقيت والدهلزات وتطييب الخواطر، فانه لو كان لي من كلمة تُسمع لدى صانعي القرار والمسؤولين في هذا البلد الصابر، لقلت لهم بأن يتأسوا بنهج واسلوب وعدل وصدق (وصفي التل) .. وان يقلدوا حرفياً طريقته في معالجة الخلل والتعاطي مع الحزبيين من خلال مسطرة العدل والانصاف واستقطاب الناس بالحُسنى دون ضغط أو اكراه او تخويف او تخوين وبعيدا عن التمييز بين الاحزاب واستخدام العصا الغليظه والجزره الناعمه!!
عندها.. وعندها فقط ينخرط الناس في الحياة الحزبية وتصبح الاحزاب جزءاً فاعلاً واساسياً من مكونات حياتنا السياسية.
وأتمنى على المسؤولين أن يتوقفوا قليلاً.. ويتواضعوا قليلاً.. ويستمعوا لما يقوله الناس في الشارع ويتمعنوا قليلاً او كثيراً في ما تقوله استطلاعات الرأي العام والتي تمخضت عن نتيجه مفادها ان 1% فقط من الشعب الاردني يتعاطون مع موضوعة الانخراط في الاحزاب!!
نعم.. سيسمع المسؤولون كلاماً قاسياً وموجعاً ومفيداً في الوقت ذاته عن الاحزاب وغير الاحزاب.. من مثل : يا جماعة الخير ..نريد الخبز اولاً على اهمية الاحزاب وضرورتها!!
نريد القضاء على البطالة والفقر والفساد والجوع!!
نريد انهاء القطيعة وانعدام الثقة بين الحكومات والناس.. نريد من الحكومات المتعاقبة تدشين علاقة لُحمتها الاهتمام بالمواطن واحترام عقله وتفكيره ورأيه.. وسداها مكافحة الفساد والافساد وملاحقة الفاسدين والمفسدين والحرامية!!
نريد علاقة واضحة المعالم قوامها ان تكون الحكومة خادمة للشعب وليس العكس!!
لان الشعب والامة مصدر السلطات.. وهذه بالمناسبة بدهية ونظرية طبقها رئيس الحكومه الاسبق (وصفي التل) على نفسه وعلى وزرائه وعلى كافة المعنيين في اجهزة الدوله من حوله قبل نيف وخمسين عاماً!!
نريد علاقة تستند الى مبادئ الانصاف والعدل والمساواة والتكافؤ واعتماد الملاءة السياسية والاعلامية والفكرية والثقافية والادارية كمسطرة قياس لاختيار الوزراء وكبار المسؤولين ورؤساء مجالس الادارات والقيمين على المؤسسات والهيئات المستقله وامناء الاحزاب المحسوبة على الحكومات بدل الروتين الممل والمحاباه واساليب التنفيع من قبل الحكومات المتعاقبه والتي تُبقى المناصب والمكاسب والمنافع والقرار ومصير الناس بيد مجموعة من المسؤولين تعدادها يقف على تخوم ثلاثماية شخصية من حيث العدد أو ازيد قليلاً ويظل هؤلاء انفسهم يتداورون على المناصب ويتناوبون على الكراسي ويتوارثونها وكأنها مطوبة لهم ولابنائهم واحفادهم.. اما بقية الكفاءات من مبدعين ومفكرين وسياسيين واقتصاديين ومثقفين فهم مجرد شهود على ما يجري من فصول (حكاية) حفظنا فصولها الجائرةومشاهدها "الطرما"عن ظهر قلب!!
وعلي ان أستدرك واقول بأنني لا أنتقص من قدر وقدرات وكفاءة الكثيرين من شخصيات هذه المجموعة لكن الاعتراض على استئثارهم لوحدهم بالكعكة وحرمانهم الآخرين من المشاركة في خدمة الوطن!!
نريد علاقة قوامها احترام الكفاءات والعقول والاراء والرؤى المخلصة للوطن بحق وحقيق بعيداً عن تلك السياسة التي تنتهجها الحكومات المتعاقبة والتي لا تحيد عن سكة ثلاثية الابعاد ومفادها: نافق تكسب... اسكت تسلم .. عارض تكتيكياً تربح واستراتيجياً تخسر!! اما عن نظام السير السياسي والحزبي على هذه السكه الحكوميه فانه يقول: اضرب غمازاً على اليسار لكن اتجه الى اليمين تصل الى الهدف والمنصب بسرعة فائقة!!
نريد من الحكومة ان تنظر بعين الرعاية والاهتمام للفقير والمعدم والمسكين والذي باتت حاوية القمامة هي ملاذه الامن في بلد شعاره (الانسان اغلى ما نملك).. ولحنه ومواله الذي ينطلق عبر الاثير صباح مساء : (انا العزيز بموطني)!!
نريد من الحكومة ان تحترم عقولنا وتفسّر لنا كيف تخصّص (وزارة للمياه) في بلد ليس فيه مياه وتحكم بالاعدام على (وزارة العمل) في بلد مملوء بالعمال والعمالة الوطنيه والوافدة من كل انحاء الدنيا!!
نريد من الحكومة معالجة البطالة ومواساة المتعطلين عن العمل الذين زحفوا سلمياً قبل فترة طويله نحو العاصمه طلباً للوظيفة والرزق وافترشوا الارصفه والطرقات وتلحفوا بالسماء في عز المطر والبرد ولم يجدوا من يستمع لشكواهم او يصغي لمطالبهم ويسد رمقهم!!
نريد من الحكومة ان تتوقف ملياً عند ظاهرة التوق للهجرة التي تراود ابناءنا واحفادنا كل صباح .. لان ابناء المرحومة (الطبقة الوسطى) وغيرهم كثيرين وبالملايين من ابناء شعبنا هاجسهم الهجره وعيونهم برّا في انتظار اول فرصه!!
نريد من الحكومة معالجة الفقر والبطالة والفاقة.. فالفقر داخل الوطن غربة يا حكوماتنا الرشيده!!
نريد من صانعي القرار والمسؤولين ان يضعوا حداً لآفة النفاق التي انتشرت هذه الايام وان لا يرخوا اسماعهم واذانهم الى دهلزات المنافقين والمؤلفة السنتهم وأقلامهم وعقولهم.. فالمنافقون موقعهم يوم القيامة في الدرك الأسفل من النار كما ورد في القران الكريم وتذكرنا البضاعة المكشوفة لبعض هؤلاء من حيث الشبه بالهواتف التي كانت توضع في الاكشاك المنصوبة على قارعة الطريق ايام زمان!! تلك الهواتف التي لم تكن تتحدث الاّ اذا القمتها النقود.. ويكون الحديث بمقدار المصاري المدفوعة.. فاذا توقف ضخ النقود توقف عندها الحديث الفارط ومظاهر النفاق!!
نريد نواباً اكفياء يحفظون العهد الذي قطعوه على انفسهم امام الناخبين لكن اغلبهم – وللاسف- شمّع الخيط واغلق الخط بعد ان ظفر باصواتنا نحن الغلابى!!
نريد نواباً لا ليركبوا على ظهورنا لتحقيق مصالحهم الخاصة بل ليعملوا ويخططوا ويشرّعوا ويحفظوا درسهم جيداً!!
نريد نواباً اكفياء ..لا نواب آلو!!
وللامانة والانصاف اقول إن هناك قامات وطنية باسقة وشخصيات محترمه تحت القبه لكنها وللاسف محدودة العدد
نريد.. ونريد.. ونريد.. ولكن لا حياة لمن تنادي!!
وعودٌ الى بوح السيد الصمت والذي توقف قليلاً ليعطي المجال لطيف الحبيب الشهيد وصفي التل كي يتحدث عن فلسطين الغاليه وعن شرف خدمته العسكريه في فلسطين من خلال انضمامه لجيش الانقاذ الفلسطيني ونظريته للخلاص من الاحتلال الصهيوني البغيض عبر مشروعه القومي الذي حمله معه الى مؤتمر وزراء الدفاع العرب في القاهرة في مطلع السبعينيات والذي حالت يد الغدر والخيانة والخسّة والنذاله دون تنفيذ هذا المشروع القومي الصادق .. حيث يؤكد الرئيس وصفي التل بأن المقاومة العسكريه وقوة العزيمة والسلاح هي السبيل للخلاص من الاحتلال الاستيطاني الصهيوني البغيض!!
فاسرائيل كما اكد الشهيد (وصفي) لن ترحل عن فلسطين العزيزه بوصلة قلوبنا، إلاّ عندما يغدو المشروع الاحتلالي الصهيوني مكلفاً!! نعم عندما يغدو الاحتلال باهظ الثمن!! وغير هيك حُط في الخُرج!!
وأود ان اشير هنا الى ما قاله رئيس وزراء العدو الصهيوني الاسبق اسحق شامير حين سُئل ذات يوم عن الشخصية العربية التي كانت تهدد الكيان الاسرائيلي فقال: كان وصفي التل هو الشخصيه العربيه الاخطر على اسرائيل .. ولعل (عرين الاسود) الغوالي وابطال فلسطين الاشاوس والفدائيين العرب خير دليل على ما قاله الشهيد وصفي التل قبل نيف وستين عاماً!!
ويروي الصمت واقعةً لها دلالاتها البليغه حين جاء مواطن من احدى المحافظات الى منزل رئيس الوزراء الاسبق السيد وصفي التل ذات مساء وهو يحمل في يده استدعاء لطلب ما.. فلبى الرئيس مطلب الرجل وعندما حاول الرجل المغادره استبقاه (وصفي) لتناول طعام العشاء معه لانه جاء من محافظة بعيدة.. وجهّز عشاءً من "حواضر البيت" عبارة عن لبنه وزيت وزعتر وبيض مسلوق وبندوره وخبز طابون وهي بالمناسبه من انتاج "الحاكوره" بجانب منزله وبعد ان تناولا طعام العشاء انتابت الرجل الحيره ثم تنهد وقال يا ابا مصطفى.. اريد ان اسألك سؤالاً شريطة ان تعطيني الامان لانني اخشى من عواقب السؤال!! فقال له (أخو علياء) : لك ذلك!
واضاف الرجل يا دولة الرئيس انك تمسك بيدك خزائن الاردن وميزانيته وأمواله .. ومع ذلك اراك مثقلاً بديون الاقراض الزراعي والمنظمه التعاونيه والبنوك !! وهذا امر يستعصي علي فهمه .. فانت بين يديك المال الوفير ومع ذلك انت مدين وتعيش عيش البساطة والتي تقف على تخوم الكفاف وعشاؤك خبز ولبنه فهل هذا يجوز ؟!
فتجهم وجه الرئيس وصفي التل وقال غاضباً: أعرف انك تريد مجاملتي لكنك لم توفق في ذلك!! والله لولا انك في بيتي لقسوت عليك.. فهل تريدني يا رجل، أن انحرف عن مساري الصحيح الذي يعرفه الجميع وامد يدي الى خزينة الدولة.. فهذا عيب وحرام!! فالخزينة امانة في عنقي يسألني عنها رب العالمين يوم القيامة.. اما عن زهدي في الملبس والمأكل فهذا نابع من انني اخشى ان اشبع فأنسى الجوعى والغلابى والفقراء!! هل فهمت يا معوّد؟! وذهب الرجل نادماً على سؤاله وهو يفرك بيديه محاولاً الاعتذار.
ويعرج الصمت على واقعة ثانية مفادها أن شاباً شتم رئيس الحكومة السيد وصفي التل وقام مدير المركز الامني بتوقيف الشاب .. وذهب والد الشاب الى الرئيس وصفي في احد ايام الثلاثاء حيث اعتاد (وصفي) على مقابلة الناس في ذلك اليوم .. ولما سأله وصفي التل عن حاجته تلعثم الرجل واعتراه الخجل!!
وبدل ان يتحدث مدّ الرجل الى الرئيس وصفي ورقة توقيف ابنه من قبل المركز الامني علها تنوب عنه في الحديث.. فقرأها (وصفي) وغضب غضباً شديداً وكتب على ذات الورقه ما يلي : (يا رئيس المخفر.. بعد التحية ..اخرج الشاب من الحبس فوراً!!) ... ابو وصفي اللي بتحبسوا الناس مشانه!! اخرجه حالا كي لا تشوه صورة بلدنا امام العالم بحيث نغدو وكأننا دولة هشه تخشى على نظامها من كلام ولدٍ صغيرٍ في لحظة غضب!!
يا وصفي.. ايها الغالي ..كم نشتاق اليك ..فقد ذبحتنا الغربة!! ذبحتنا الغربة في وطن نحبه سراً ويجور علينا علناً!!
ذبحتنا الغربة يا وصفي!! ذبحتنا الغربة يا وصفي!!
ووجدتني أيمم وجهي شطر دارة أحبها كثيراً وأُعظم شأن ساكنها .. ووجدتني الجُ باباً منخفضاً ومتواضعاً.. واحني هامتي احتراماً للمقام العالي لصاحب الدار اولاً .. وتحسباً كي لا يصطدم رأسي بسقف الباب الخفيض بناءً والسامق العالي مقاماً!!
ووجدتني اضرب تعظيم سلام الى الرمز الوطني المهيوب وساكن الدار والقلب معاً الشهيد (وصفي التل) .. واقرأ الفاتحه وسورة (الضُحى) على روحه الطاهره.. ووجدتني أسند ظهري المهدود الى جدار الضريح في (الكمالية) حيث يرقد وطن داخل الوطن!! وهل يسند الظهر الموجوع غيرك يا وصفي حين يكبو الدهر والحظ معاً؟!
ووجدتني اصغي بكُليتي وسمعي ووجداني الى صوت الصمت المهيب الاتي من افياء الزمن الجميل.. بالمناسبه لقد فاتني ان اقول بأن الصمت، لمن لا يعرف، هو ارقى واسمى وابلغ فنون وانواع الكلام الفاعل!!
ووجدتني أرقب منسوب الكلام الزين.. والمح حروفه تنساب من فم ووجدان محدثي السيد الصمت.. ووجدتني استشعر نبض الحروف ودفء الكلمات وهي تتوارد مثل درر منثورة ولآلي ساطعة اودعها صاحبها الملهوف مثلي، في صُرّة يتيمة واخذ يعدها واحدةً.. واحدة.. مخافة ان تفلت او تضيع احدى لآليء الزمن الجميل!!
ووجدتني في ضوء الواقع الحزبي الراهن وتركيبة ارقامه واعداده العجيبة اصغي للصمت البليغ وهو يروي بصوت مسموع وقائع كنت شاهداً على الكثير من مفاصلها وفي مقدمتها التعاطي الفاعل والصادق مع الاحزاب.. ووجدتني ارهف السمع لصوت السيد الصمت وهو يروي حكاية الانجاز المجيد والفعل السديد ويقول بصوت جهوري: يا ناس.. تَبعّوا معي ..فانا اشهد بأن الشهيد (وصفي التل) رئيس الوزراء الاسبق وصاحب الولاية العامة بحق وحقيق، قد كسب ودّ الحزبيين بمختلف اطيافهم في وطننا العزيز عندما أحرق بيده الكريمة في بواكير الستينات من القرن الماضي اكوام الملفات الامنية والاوراق المتعلقة بنشاطات الحزبيين.. واعاد اللاجئين السياسيين من سوريا ومصر الى الاردن.. وقال لخصوم النظام قولته المشهورة: (ايها الاخوة الحزبيون.. مردود عليكم النقا نحو المصالحة)!! ومد يد الصدق والوفاء والالتزام نحوهم من اجل الوفاق وما يستتبع من مشاركة فاعلة لخدمة الوطن والناس والقضية!!
واستطاع الفارس الوطني الشهم (وصفي) من خلال فراسته وفروسيته وذكائه ودهائه ومسطرة الولاية العامة في إهابه ان يكسب ود الحزبين جميعاً.. فاصبح هؤلاء بعد فترة من الخصومة والقطيعة سنداً للوطن الاردني والعرش الهاشمي!!
وقد حقق هذا الانجاز العظيم بكل هدوء وصمت.. وبعيداً عن التنظير المسطح والدهلزات المكشوفة وهندسة المسطرة والفرجار واسلوب (شوفيني يا بنت الخال) الذي يجري في بلدنا هذه الايام!!
وتبوأ الحزبيون خلال حكومات وصفي التل التي شكلها مناصب قيادية رفيعة في مجالات الاعلام والسياسة والثقافة والادارة.. واذكر ان مدير المخابرات انذاك اعترض على تعيين بعض الشيوعيين والبعثيين في دار الاذاعه الاردنية لكن (وصفي التل) قام بتعيينهم وقال لمدير المخابرات الفريق محمد رسول الكيلاني بالحرف الواحد: (يا باشا.. هذول الحزبيين هم وجه البكسة... ولا خير في بلد لا تتنوع فيه الاراء وتتباين الرؤى والافكار.. وهكذا وبكل بساطة استطاع الشهيد (وصفي التل) ان يحل بمفرده معضلة كانت في حكم المستحيل.. وجعل من الحزبيين وخصوم الأمس سنداً للوطن والعرش والنظام!!
وكأني برئيس الحكومة (وصفي التل) وهو يحقق هذا الانجاز الكبير يترجم ما قاله سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: (الحق يحتاج لرجلين صادقين .. رجل ينطق به.. ورجل يفهمه!!).
ويحذفني الصمت من صلب روايته عن الامس الجميل وبهاء شخوصه الى الواقع الراهن حالياً واوجاعه العديدة.. هذا الواقع وخاصة على الصعيد الحزبي، يكاد لسان حاله يقول باننا ما نزال نراوح ازاء الصحوة الحزبية المفاجئة ومسألة هندسة الاحزاب وتفرعاتها.. نمسك مسطرة بيد وبالثانية الفرجار والمنقلة لهندسة الاحزاب وديباجتها وفق نسب مئوية واعداد وارقام ومقاسات يعجز حتى عقل الكمبيوتر عن تحليلها ومعرفة دوافعها ومراميها!!
وهذه المسطرة السحرية وتلك المنقلة الخفية المرافقة لها تميلان، بقدرة قادر، ميلاً حنوناً نحو بعض الاحزاب من حيث التدليل والرعاية والحنان والتسمين ولكنهما في الوقت ذاته تقسوان بشكل واضح ومكشوف على بعض الاحزاب الاخرى بحيث لا نجانب الصواب اذا قلنا بأن هناك احزاباً مدللة يمكن تصنيفها كما نقول في العامية تحت بند (أولاد الداية) الذين يحظون بالدلال وعين الرضا.. واحزاب من طراز (اولاد الجارية) الذين لا يجدون من الجهات المعنية سوى الصدود والقسوة والتعسف (والعين الحمرا)!! وفي المقدمة من هذه الاحزاب المظلومة يقع حزب الشراكة والانقاذ الذي يواجه الامريّن رغم انه يسير وفق القانون والنظام في المقام الاول وينتهج مبادئ وطنية وقوميه تبعث على الاحترام والتقدير!!
ولعل ابلغ وصف للتعاطي الخشن والمعاملة القاسية من الجهات المعنية تجاه بعض الاحزاب، ما ورد على لسان نائب رئيس الوزراء الاسبق معالي الدكتور ممدوح العبادي والذي قال ان هذه المعامله القاسية وما ينجم عنها من قرارات مجحفة تشكل نقطة سوداء في تاريخ الحياة الحزبية في الاردن!!
ولا أظن أن الدكتور العبادي قد ترك من زيادة لمستزيد بعد هذه العبارة البليغة والصادقة والصادمة في الوقت ذاته!
وفي ضوء الضبابية الملحوظة وتعدد المرجعيات وما يستتبع من فوضى منظمة فإن الملايين من الاردنيين وانا احدهم قد عزفوا عن الانخراط في الاحزاب والجنة الحزبية الموعودة ويافطاتها الصفراء التي ملأت شوارع العاصمه بعبارات رنانة وشعارات طنانه مغايرة لواقع الحال على ارض الواقع واكتفينا من الغنيمة بالاياب!!
ومخافة ان يُسيء البعض فهم ما اقول فانني اؤكد لهم بانني لم انخرط في اي حزب من الاحزاب على الساحة الاردنيه منذ الخمسينيات من القرن الماضي حين كان للاحزاب نكهة وهيبة وقوة وذلك لأسباب كثيره لعل في مقدمتها هذه الضبابية وتعدد المرجعيات وهذا التمييز الواضح في التعامل وغياب مسطرة العداله في التعاطي مع الاحزاب الوطنيه التي لا تسير على سكة (كُلّه تمام يا افندم)!! فانا العبد الفقير لله ما زلت قوميا بطبعي وتوجّهي.. بوصلة قلبي فلسطين.. واسود فلسطين.. وشعب فلسطين!
وما دمت بصدد الحديث عن الاحزاب وطريقة تشكيلها بعيدا عن اسلوب الفزعة والاستعراض المقيت والدهلزات وتطييب الخواطر، فانه لو كان لي من كلمة تُسمع لدى صانعي القرار والمسؤولين في هذا البلد الصابر، لقلت لهم بأن يتأسوا بنهج واسلوب وعدل وصدق (وصفي التل) .. وان يقلدوا حرفياً طريقته في معالجة الخلل والتعاطي مع الحزبيين من خلال مسطرة العدل والانصاف واستقطاب الناس بالحُسنى دون ضغط أو اكراه او تخويف او تخوين وبعيدا عن التمييز بين الاحزاب واستخدام العصا الغليظه والجزره الناعمه!!
عندها.. وعندها فقط ينخرط الناس في الحياة الحزبية وتصبح الاحزاب جزءاً فاعلاً واساسياً من مكونات حياتنا السياسية.
وأتمنى على المسؤولين أن يتوقفوا قليلاً.. ويتواضعوا قليلاً.. ويستمعوا لما يقوله الناس في الشارع ويتمعنوا قليلاً او كثيراً في ما تقوله استطلاعات الرأي العام والتي تمخضت عن نتيجه مفادها ان 1% فقط من الشعب الاردني يتعاطون مع موضوعة الانخراط في الاحزاب!!
نعم.. سيسمع المسؤولون كلاماً قاسياً وموجعاً ومفيداً في الوقت ذاته عن الاحزاب وغير الاحزاب.. من مثل : يا جماعة الخير ..نريد الخبز اولاً على اهمية الاحزاب وضرورتها!!
نريد القضاء على البطالة والفقر والفساد والجوع!!
نريد انهاء القطيعة وانعدام الثقة بين الحكومات والناس.. نريد من الحكومات المتعاقبة تدشين علاقة لُحمتها الاهتمام بالمواطن واحترام عقله وتفكيره ورأيه.. وسداها مكافحة الفساد والافساد وملاحقة الفاسدين والمفسدين والحرامية!!
نريد علاقة واضحة المعالم قوامها ان تكون الحكومة خادمة للشعب وليس العكس!!
لان الشعب والامة مصدر السلطات.. وهذه بالمناسبة بدهية ونظرية طبقها رئيس الحكومه الاسبق (وصفي التل) على نفسه وعلى وزرائه وعلى كافة المعنيين في اجهزة الدوله من حوله قبل نيف وخمسين عاماً!!
نريد علاقة تستند الى مبادئ الانصاف والعدل والمساواة والتكافؤ واعتماد الملاءة السياسية والاعلامية والفكرية والثقافية والادارية كمسطرة قياس لاختيار الوزراء وكبار المسؤولين ورؤساء مجالس الادارات والقيمين على المؤسسات والهيئات المستقله وامناء الاحزاب المحسوبة على الحكومات بدل الروتين الممل والمحاباه واساليب التنفيع من قبل الحكومات المتعاقبه والتي تُبقى المناصب والمكاسب والمنافع والقرار ومصير الناس بيد مجموعة من المسؤولين تعدادها يقف على تخوم ثلاثماية شخصية من حيث العدد أو ازيد قليلاً ويظل هؤلاء انفسهم يتداورون على المناصب ويتناوبون على الكراسي ويتوارثونها وكأنها مطوبة لهم ولابنائهم واحفادهم.. اما بقية الكفاءات من مبدعين ومفكرين وسياسيين واقتصاديين ومثقفين فهم مجرد شهود على ما يجري من فصول (حكاية) حفظنا فصولها الجائرةومشاهدها "الطرما"عن ظهر قلب!!
وعلي ان أستدرك واقول بأنني لا أنتقص من قدر وقدرات وكفاءة الكثيرين من شخصيات هذه المجموعة لكن الاعتراض على استئثارهم لوحدهم بالكعكة وحرمانهم الآخرين من المشاركة في خدمة الوطن!!
نريد علاقة قوامها احترام الكفاءات والعقول والاراء والرؤى المخلصة للوطن بحق وحقيق بعيداً عن تلك السياسة التي تنتهجها الحكومات المتعاقبة والتي لا تحيد عن سكة ثلاثية الابعاد ومفادها: نافق تكسب... اسكت تسلم .. عارض تكتيكياً تربح واستراتيجياً تخسر!! اما عن نظام السير السياسي والحزبي على هذه السكه الحكوميه فانه يقول: اضرب غمازاً على اليسار لكن اتجه الى اليمين تصل الى الهدف والمنصب بسرعة فائقة!!
نريد من الحكومة ان تنظر بعين الرعاية والاهتمام للفقير والمعدم والمسكين والذي باتت حاوية القمامة هي ملاذه الامن في بلد شعاره (الانسان اغلى ما نملك).. ولحنه ومواله الذي ينطلق عبر الاثير صباح مساء : (انا العزيز بموطني)!!
نريد من الحكومة ان تحترم عقولنا وتفسّر لنا كيف تخصّص (وزارة للمياه) في بلد ليس فيه مياه وتحكم بالاعدام على (وزارة العمل) في بلد مملوء بالعمال والعمالة الوطنيه والوافدة من كل انحاء الدنيا!!
نريد من الحكومة معالجة البطالة ومواساة المتعطلين عن العمل الذين زحفوا سلمياً قبل فترة طويله نحو العاصمه طلباً للوظيفة والرزق وافترشوا الارصفه والطرقات وتلحفوا بالسماء في عز المطر والبرد ولم يجدوا من يستمع لشكواهم او يصغي لمطالبهم ويسد رمقهم!!
نريد من الحكومة ان تتوقف ملياً عند ظاهرة التوق للهجرة التي تراود ابناءنا واحفادنا كل صباح .. لان ابناء المرحومة (الطبقة الوسطى) وغيرهم كثيرين وبالملايين من ابناء شعبنا هاجسهم الهجره وعيونهم برّا في انتظار اول فرصه!!
نريد من الحكومة معالجة الفقر والبطالة والفاقة.. فالفقر داخل الوطن غربة يا حكوماتنا الرشيده!!
نريد من صانعي القرار والمسؤولين ان يضعوا حداً لآفة النفاق التي انتشرت هذه الايام وان لا يرخوا اسماعهم واذانهم الى دهلزات المنافقين والمؤلفة السنتهم وأقلامهم وعقولهم.. فالمنافقون موقعهم يوم القيامة في الدرك الأسفل من النار كما ورد في القران الكريم وتذكرنا البضاعة المكشوفة لبعض هؤلاء من حيث الشبه بالهواتف التي كانت توضع في الاكشاك المنصوبة على قارعة الطريق ايام زمان!! تلك الهواتف التي لم تكن تتحدث الاّ اذا القمتها النقود.. ويكون الحديث بمقدار المصاري المدفوعة.. فاذا توقف ضخ النقود توقف عندها الحديث الفارط ومظاهر النفاق!!
نريد نواباً اكفياء يحفظون العهد الذي قطعوه على انفسهم امام الناخبين لكن اغلبهم – وللاسف- شمّع الخيط واغلق الخط بعد ان ظفر باصواتنا نحن الغلابى!!
نريد نواباً لا ليركبوا على ظهورنا لتحقيق مصالحهم الخاصة بل ليعملوا ويخططوا ويشرّعوا ويحفظوا درسهم جيداً!!
نريد نواباً اكفياء ..لا نواب آلو!!
وللامانة والانصاف اقول إن هناك قامات وطنية باسقة وشخصيات محترمه تحت القبه لكنها وللاسف محدودة العدد
نريد.. ونريد.. ونريد.. ولكن لا حياة لمن تنادي!!
وعودٌ الى بوح السيد الصمت والذي توقف قليلاً ليعطي المجال لطيف الحبيب الشهيد وصفي التل كي يتحدث عن فلسطين الغاليه وعن شرف خدمته العسكريه في فلسطين من خلال انضمامه لجيش الانقاذ الفلسطيني ونظريته للخلاص من الاحتلال الصهيوني البغيض عبر مشروعه القومي الذي حمله معه الى مؤتمر وزراء الدفاع العرب في القاهرة في مطلع السبعينيات والذي حالت يد الغدر والخيانة والخسّة والنذاله دون تنفيذ هذا المشروع القومي الصادق .. حيث يؤكد الرئيس وصفي التل بأن المقاومة العسكريه وقوة العزيمة والسلاح هي السبيل للخلاص من الاحتلال الاستيطاني الصهيوني البغيض!!
فاسرائيل كما اكد الشهيد (وصفي) لن ترحل عن فلسطين العزيزه بوصلة قلوبنا، إلاّ عندما يغدو المشروع الاحتلالي الصهيوني مكلفاً!! نعم عندما يغدو الاحتلال باهظ الثمن!! وغير هيك حُط في الخُرج!!
وأود ان اشير هنا الى ما قاله رئيس وزراء العدو الصهيوني الاسبق اسحق شامير حين سُئل ذات يوم عن الشخصية العربية التي كانت تهدد الكيان الاسرائيلي فقال: كان وصفي التل هو الشخصيه العربيه الاخطر على اسرائيل .. ولعل (عرين الاسود) الغوالي وابطال فلسطين الاشاوس والفدائيين العرب خير دليل على ما قاله الشهيد وصفي التل قبل نيف وستين عاماً!!
ويروي الصمت واقعةً لها دلالاتها البليغه حين جاء مواطن من احدى المحافظات الى منزل رئيس الوزراء الاسبق السيد وصفي التل ذات مساء وهو يحمل في يده استدعاء لطلب ما.. فلبى الرئيس مطلب الرجل وعندما حاول الرجل المغادره استبقاه (وصفي) لتناول طعام العشاء معه لانه جاء من محافظة بعيدة.. وجهّز عشاءً من "حواضر البيت" عبارة عن لبنه وزيت وزعتر وبيض مسلوق وبندوره وخبز طابون وهي بالمناسبه من انتاج "الحاكوره" بجانب منزله وبعد ان تناولا طعام العشاء انتابت الرجل الحيره ثم تنهد وقال يا ابا مصطفى.. اريد ان اسألك سؤالاً شريطة ان تعطيني الامان لانني اخشى من عواقب السؤال!! فقال له (أخو علياء) : لك ذلك!
واضاف الرجل يا دولة الرئيس انك تمسك بيدك خزائن الاردن وميزانيته وأمواله .. ومع ذلك اراك مثقلاً بديون الاقراض الزراعي والمنظمه التعاونيه والبنوك !! وهذا امر يستعصي علي فهمه .. فانت بين يديك المال الوفير ومع ذلك انت مدين وتعيش عيش البساطة والتي تقف على تخوم الكفاف وعشاؤك خبز ولبنه فهل هذا يجوز ؟!
فتجهم وجه الرئيس وصفي التل وقال غاضباً: أعرف انك تريد مجاملتي لكنك لم توفق في ذلك!! والله لولا انك في بيتي لقسوت عليك.. فهل تريدني يا رجل، أن انحرف عن مساري الصحيح الذي يعرفه الجميع وامد يدي الى خزينة الدولة.. فهذا عيب وحرام!! فالخزينة امانة في عنقي يسألني عنها رب العالمين يوم القيامة.. اما عن زهدي في الملبس والمأكل فهذا نابع من انني اخشى ان اشبع فأنسى الجوعى والغلابى والفقراء!! هل فهمت يا معوّد؟! وذهب الرجل نادماً على سؤاله وهو يفرك بيديه محاولاً الاعتذار.
ويعرج الصمت على واقعة ثانية مفادها أن شاباً شتم رئيس الحكومة السيد وصفي التل وقام مدير المركز الامني بتوقيف الشاب .. وذهب والد الشاب الى الرئيس وصفي في احد ايام الثلاثاء حيث اعتاد (وصفي) على مقابلة الناس في ذلك اليوم .. ولما سأله وصفي التل عن حاجته تلعثم الرجل واعتراه الخجل!!
وبدل ان يتحدث مدّ الرجل الى الرئيس وصفي ورقة توقيف ابنه من قبل المركز الامني علها تنوب عنه في الحديث.. فقرأها (وصفي) وغضب غضباً شديداً وكتب على ذات الورقه ما يلي : (يا رئيس المخفر.. بعد التحية ..اخرج الشاب من الحبس فوراً!!) ... ابو وصفي اللي بتحبسوا الناس مشانه!! اخرجه حالا كي لا تشوه صورة بلدنا امام العالم بحيث نغدو وكأننا دولة هشه تخشى على نظامها من كلام ولدٍ صغيرٍ في لحظة غضب!!
يا وصفي.. ايها الغالي ..كم نشتاق اليك ..فقد ذبحتنا الغربة!! ذبحتنا الغربة في وطن نحبه سراً ويجور علينا علناً!!
ذبحتنا الغربة يا وصفي!! ذبحتنا الغربة يا وصفي!!
مدار الساعة ـ نشر في 2023/06/23 الساعة 20:28